الملحق الثقافي:
صدرت مؤخراً عن وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب رواية
« باستت» للكاتب د.جرجس حوراني والرواية حائزة جائزة حنا مينه الثانية 2020…
تقوم الرواية في بنائها السردي مجموعة من القصص التي يجمع بينها المكان باستت ويعني بالمصرية القديمة «ربة الحب والخصب والفرح» وصاحبها كارو الذي اهتدى للاسم عن طريق أستاذ الفلسفة راتب الذي أوضح معنى الاسم خلال بحث كارو عن اسم مختلف.. وكل من يدخل مملكة كارو هذه لا يقبل منه سوى الانسجام مع ما تسعى إليه وذلك عبر عملية نفسية تبدأ بالاستماع إلى حكايته، أو جره جراً ليقص ما يعاني، ليدخل بعد ذلك الزائر عوالم المكان وينتشي ويرقص كريشة تحلق في الفضاء…
يربط الراوي جسد العمل عبر ثابتين هما المكان وصاحبه كارو، الذي خبر الحياة من خلال تجاربه الكثيرة والجارحة فقد كان مهرباً حول مهنته إلى «تهريب» الفرح للناس في ظل واقع معاش تحت الكثير من المشكلات الاجتماعية والإنسانية، وفي ظل معاناة من الواقع خلال سنوات أليمة مرت على الجميع..
المكان يتحول في العمل إلى مسرح وشاهد على أفراد تعاني أرواحهم من عطب متعدد الوجوه، لنتابع حكايات ينقلها الحوار والبوح ببساطة تشبه المكان نفسه، ولا نجد تركيزاً على الوصف الخارجي للشخصيات إلا في الحدود الدنيا وبما تقتضي ضرورة الإضاءة على هذا الجانب بالشكل الذي يخدم الحكاية نفسها…
الأستاذ راتب مدمن على هذا المكان ويجد فيه ملاذاً آمناً لروحه، حتى إنه يقنع الأستاذ حليم وهو المتحفظ والمتمسك بتقاليد اجتماعية متشدد ليدخل عالم باستت ويكتشف به روحاً تحلق به وهو يرقص مع فاتنة المسرح متخلياً عن صورته الرتيبة وقناعاته الثابتة.. والراقصة نفسها كانت قد درست الأدب الإنكليزي لكنها هنا تحولت لفراشة في عالم واسع..
«وجد باستت ليكون مقراً للفرح، واللهو، والطرب، والنسيان.. لهذا وضع الحجر فوق الحجر. هكذا أعلن كارو أكثر من مرة وأكد أنه من غير المسموح مناقشة أي شيء يعكر سماء باستت»..
شخصيات متنوعة في مشاربها وثقافاتها ومعتقداتها تمر على باستت طلباً للنسيان والفرح، كما لو أنه مكان للعلاج النفسي، فقد أرهقت الحياة الكثيرين في تفاصيلها الضاغطة على أرواحهم، فهذا الدكتور يقول: «جئت إلى هنا لأصبح موظفاً يطرد الألم لا يعمقه».. وهذا رجل غريب يروي حكايته مع أخيه الذي توقف ليقل رجلاً في الطريق لكن هذا الأخير قتله بغية السرقة لكنه لم يجد سوى ثلاثين ألف ليرة.. وحكاية أبي صبح الذي خسر ابنه بعد معارضته لقطع الشجر فحرسها وحاول حمايتها لكنه انتهى مقتولاً وتحول لشجرة آكاسيا يتعرض للأذى كل من يحاول قطعها..
مشاهد قصيرة ومتعددة لكن غنية بدلالاتها يتابعها القارئ على رادار وشاشة باستت، تقدم أرواح أصحابها في لحظة مكاشفة جارحة، وتعكس في مجملها وتلاحقها شريطاً لحياة مجتمع بأكمله، شريطاً معنياً بقسوة الحكاية وأثرها والبحث عن ملاذ لنسيانها في مكان يحتفل بالفرح..
عمل يمتلك الكثير من المفردات الفنية الممتعة على صعيد القص واللغة والبساطة في مقاربة الحدوتة بحيث تصب جميع السواقي الفرعية في نهر كبير هو الحياة نفسها التي يعيش كارو وهم صنع الفرح للجميع..؟!
العدد 1101 -28-6-2022