حرب القهر على سورية باعت المغرر بهم من السوريين، الذين جرفهم تيار الشعارات الزائفة (حرية ديمقراطية). حكومات معظم الدول الداعمة لهم غدرت بهم، أجهزة استخباراتٍ خذلتهم وتخلت عنهم. أوجاعهم بيعت في سوق الخديعة، ضَرَبَ كياناتِهم مقاومة الجيش والشعب..
رغم توقف القتال مازالوا بحاجة لتوازن اجتماعي، فهم في غربة وتغريب عميقين مخيفين. منهم من طحنته الفوضى في مناطق المسلحين.. ففقدوا نِعَمَاً للدولة ابتلعها زلزال الربيع العربي. ضائعين وتائهين مهجرين ومهاجرين، مفقودين وموقوفين، سُحقوا بين حجري الرحى.
لم يستفق الكثير منهم حتى الآن.. تائهون.. بلا هوية ولا كيان.. وبلا قدرة على متابعة الحياة بكرامة. لم يفهموا حتى اللحظة ما الذي أصابهم، خذلتهم الدنيا وكل الأطراف التي غررت بهم. وُعِدوا بعسل الثورة.. فذاقوا مرارة سم الدبابير.. وإذلال مشغليهم لهم.. صاروا تبّعاً للغرباء..
سوق الخديعة تودي إلى منعطف الانحطاط الفكري، ساحتها موائد الحوار العقيم، يروج له بعض السياسيين لبيع بعض من فكرهم، في نزعة عصبية من المحاورين لخديعة الآخرين، بضاعتهم مصطلحات زائفة، مهد لها السبل إعلام أصفر. يسهل إيقاع الخصم بين براثنها..
هل من خطاب يعيد صحوة العقل لمن مازال لديه نذرةٌ من بقاياه، وخاصة بعد مرسوم العفو الرئاسي الأخير.. بعيداً عن الغرائزية والثأرية المقيتة.. خطوة نحو تخليص الإنسان السوري مما حاق به، حين جعلوه حطباً لنار أحرقت الأخضر واليابس تحت قدميه..
سُلب من البعض أهم ما يملكه المرء، كرامته التي بيعت في سوق النخاسة الإنسانية، وهو يتدحرج بين مجاميعهم المسلحة، وهم يقبضون ثمن نار حرقه.. هل تصحو ثورة غضبه على من غرر به. فيتحرى مما في مرسوم العفو ما يعيد له كرامته لينعم بالحرية الحقة، وشموخ وطن السيادة..
هل يرتقي من الانحطاط الفكري، الذي صهره في بوتقة بعض من دُعُووا يوماً بالمثقفين، من صموا آذانهم ووضعوا نظارات سوداء على عيونهم، فكسر أصحاب القلم منهم أقلامهم.. وخنق أصحاب الحناجر أصواتهم في صدورهم، ولم يتنبهوا إلى أنهم صاروا بيدهم دمى متحركة..
بدؤوا بطعن من نافح عن وطنه، ببساطة لأنهم عجزوا عن اتخاذ موقف حرّ مثلهم، لم يقدروا على جمع شتات أمرهم، ولم يقدروا على جعل الأمل أوسع من متاعب الدنيا.. زرع مشغلوهم الأقدار الضحلة تحت أقدامهم، وتركوا لهم الحزن والحداد عليها..
لو قرؤوا حيثيات مرسوم العفو الرئاسي، ما يمكِّن كلّ مغرر به كيفية إسقاط فحواه على وضعه ليعود إلى وطنه مغادراً غربته، أو هارباً من مظلة الإرهاب وذل ممارسيه، ليمارس حياته الطبيعية، عندها سيرى نفسه لؤلؤة بارقة في صدفة الوطن، متفرداً بالخير الذي يكنس حزنه..
عندما ينزّه هؤلاء عقولهم، وينفضوا عنها ركام ما زُرع فيها؛ من فتات الحقد الذي تملكته ضد إخوة الإنسانية، لأسباب ماتت فيها القيم؛ تهدر كرامة كليهما. فيحسنون الظن بالأقدار التي تجعل من عودتهم لحياض الوطن خيراً ومسحة جمال، وقوة على تجاوز صعوبة حوائج الدنيا مؤمنين بأن الأمس مضى لا التفات له.. واليوم ملك فكرهم وعقولهم، يمتطونه كما ظَهْرُ سابحٍ سنابكه تطوي الفيافي.. يذهبون به لغدٍ رغم أنه في علم الغيب، لكن يمكنهم تطويعه ليكون منصة رقيّ تأخذهم لقفار يمكنهم جعلها سهولاً تخضر بجهودهم، تلتمع كلما أشرقت عليها شمس الفجر.