بعد أن ينتهين من الخبز، وكان إعداد الخبز في قرانا من مهمات النساء حصراً، يتركن التنور كل واحدة للأخرى .. بالدور .. وياما حصلت معارك على الدور .. لكنها كانت معارك القلوب الطيبة، لا ناتو فيها ولا خراب .. تنتهي المعركة كما بدأت .. سليمة بإذن الله، إن لم يتدخل الرجال .. تدخلهم له فعل تدخل الناتو .. يقلبها إلى رعب فوراً.. وما كان ينحل بالسباب واتهامات النساء لبعضهن بالحب غير المشروع .. يصبح لا ينتهي إلا بحساب نتائج الحرب والمعارك الدامية..!!!
آخر النهار ينتهي الخبز .. كما نحن في هذه الأيام لم يكن عندنا كهرباء، وبالتالي ينتهي يوم الخبز غالباً بسبب العتم .. ولم نكن نلجأ للطاقة البديلة .. كنا نعتمد على الحسابات الدقيقة .. فالخبز في موعده .. وإذ تغيب الشمس يلتم الناس إلى بيوتهم .. يتدفؤون على عودين حطب .. ورغيف خبز ساخن وعفاهم الله من الطاقة البديلة وقروضها ومن الدعم ومشكلاته.
وإذ يفرغ التنور من سكانه وقبل أن يُترك للجرذان أو للكلاب الداشرة.. وكان عديد الحيوانات والحشرات يلوذ به طمعاً بالدفء .. كان يقصده بعض المعانين من آلام الظهر أو الوتاب أو غيره.. وكان أيضاً يستخدم الجمر الناعم المتبقي فيه لشوي البطاطا والباذنجان.. وأحياناً كان هناك من يطمر في جمره رأس خروف منظف.. وكان ذلك كله يحظى بعملية شي فريدة.. بالنضج وبالمذاق..
أتذكر اليوم كم يمكن للتنور أن يخدم لو عادت أيامه.. وحتى يمكنه أن ينقذ .. كلما تذكرت شتاء العام الماضي أرعبني شتاء العام القادم .. ومنذ الآن أنا أبحث عن تنور.. صحيح نحن اليوم في زمن آخر.. لكن ما الفائدة من القرن الحادي والعشرين إن كنا نعود للتاسع عشر..؟! ما نفع كل وسائل التدفئة والتنقل والطبخ والغسيل .. إن كنا نعيش بلا كهرباء ولا وقود .. ببساطة نقول نحن عندنا من وسائل التدفئة والتنقل والاغتسال وملحقاتها، بقدر ما عندنا من وقود وكهرباء وحوامل طاقة .. نسبة وتناسب .. وعندما أقول: عندنا أعنينا نحن وليس غيرنا.. يعني عندي وعندك وبتصرفي وتصرفك .. ما هو عند غيرنا .. لهم ..وليس لنا ولا لنا فيه ما يذكر ..
تلك الأيام .. صحيح.. ياما نمنا في التنانير .. طلباً للدفء .. لكن كنا نشعر بشيء من الرضى الوثاب.. أي رضى يدفعنا للأمل أو يدفع الأمل في قلوبنا.. اليوم ..لا رضى ولا أمل .. ذاك هو المأزق..
وقبل أن يأتي الشتاء .. ابحث لي عن تنور ..يعمل بلا حطب وبلا وقود وبلا كهرباء .. يعمل فقط بالرضى ويمنحني الدفء ..
As.abboud@gmail.com