لن نفرد المساحات الكبيرة والواسعة للحديث عن الخطط “المحبوكة”، والبرامج “المدروسة”، والخطوات والنقلات “النوعية”، والإجراءات والقفزات “الاستثنائية”، التي تتصدر ـ وبقوة ـ المشهد في كل حراك حكومي، وإنما سنتوقف قليلاً عند بند استثمار رأس المال البشري الذي مازال ـ حتى تاريخه ـ مغيباً إن لم نقل معطلاً لأسباب لا نعرف ما إذا كانت وزارات الدولة تملك الجرأة للكشف أو الإفصاح عنها وإيضاحها.
نعم، فبعد كل عملية انتقال من القاعات المغلقة والمفتوحة إلى أرض الواقع، نتفاجأ بأن ليس كل ما أتحفنا به من بنود جوهرية لا ثانوية، وسياسات “نموذجية لا تقليدية” قد تم لحظها والأخذ بها وترجمتها، بالشكل والأسلوب التي تم التغني بها، أولها وأهمها ملف استثمار رأس المال البشري “التأهيل والتدريب” الذي يبدو أن مصيره سيبقى مجهولاً، طالما أن البعض لم ـ أو لا يريد أن يعترف “حتى تاريخه” أن هذا ملف “ليس تحصيل حاصل” وإنما خيار استراتيجي بامتياز للجهة التي تتطلع إلى إعداد كوادر بشرية قادرة على تلبية حاجات العمل والتطورات والتغيرات السريعة التي يسجلها سوق العمل، ومواكبة مسار التدريب أثناء الخدمة نظراً للأهمية الكبيرة التي يهيئها للموظف من معارف ومهارات جديدة تتطلبها مهنته، لاسيما لجهة إطلاعه على أفضل الحلول للمشكلات التي قد يواجِهها أثناء ممارسته لمهنته مما يزيده تمَكناً وتمرساً في أداء عمله ومساعدته على اجتراح الحلول والابتكار لا فقط تجنب الأخطاء.
نعم،هذا البعض “عينه” لا يعرف أو لا يريد أن يعرف أن الاستثمار الرابح والمجدي لا الخلبي هو في صقل الكوادر البشرية، على الرغم من معرفته حق المعرفة بالأعداد الكبيرة والحقيقية للخبرات والكفاءات الوطنية الشابة والمبدعة التي تسربت وهاجرت نتيجة ظروف الحروب الظالمة، أو تلك التي طفشت وهربت من صقيع ذهنيات بعض المعنيين من يملكون الكلمة الفصل في تجمد وتحريك ملف التأهيل والتدريب وسلوك طريق الترفيع والترقية الوظيفية، تماماً كما حدث ويحدث حالياً مع أصحاب الشهادات الجامعية العليا الذين يدخلون حياتهم الوظيفية ويخرجون منها بذات التسمية الوظيفية، وأحياناً كثيرة من نفس المكتب الذي باشروا فيه لأول مرة.