تحول الفكر الرقابي في جميع الجهات العامة من فكر يهدف لتصحيح مسار العمل في كل القطاعات إلى فكر يهدف لجمع وتحصيل الإيراد، فالشخص الذي وضع فكرة الكاميرات على الطرقات العامة كان يهدف من ذلك إلى تقليل الحوادث وخسائر الأرواح البشرية، ولكن الأمر في فترة لاحقة تحول إلى فكر لجباية وزيادة الإيرادات، ما جعل من حاملي الكاميرات يتخفون خلف الأشجار والسواتر لدرجة أن بعض السائقين “أُربكوا” وكادوا يتسببون بحوادث، إلى أن أتى وزير الداخلية الحالي وصحح الأمر ووضعه في الهدف الصحيح.
يبدو أن فكرة الشرطي المُتخفي وراء السواتر والأشجار عُممت بنفس المفهوم على جهاتنا العامة، وتحولت من هدف تصحيح مسار العمل ليسير بشكل أفضل إلى هدف تحصيلي لزيادة الإيرادات، فالغرامات التي تفرضها وزارة المالية تهدف لتصحيح المسار في الجهات التي تُفرض عليها الغرامات، وكذا الأمر بالنسبة للغرامات التي تُفرض من وزارة التجارة الداخلية وحماية المُستهلك، فالهدف منها ضبط مخالفات التموين، وأيضاً الغرامات التي تفرضها وزارة التعليم على الجامعات الخاصة فالهدف منها أن تعمل هذه الجامعات بالشكل الأمثل وليس تحصيل الأموال.
من يتابع نتائج عمل الجهات العامة في جانب فرض الغرامات يلاحظ أن كل مخالفات وزارة التجارة لم تقلل من حالات التلاعب في الأسواق، وبالمحصلة يدفع المواطن ثمن هذه المخالفات “الإيرادية”، لأن التاجر يُحصّل ما دفعه من المستهلك برفع سعر المنتجات، ولو أن العقوبة مثلاً كانت السجن المُتدرج زمنياً للمُخالف لكان المُخالف يحسب ألف حساب قبل أن يُخالف، والضريبة على الفعاليات عندما تكون غير منطقية فتؤدي أحياناً إلى إغلاق الفعالية أو المُنشأة، وبالتالي خسارة العاملين فيها لفرصة عملهم إضافة لخسارة إنتاج المنشأة، وفي الجامعات الخاصة انعكس الأمر سلباً على الجودة التعليمية.
الغرامات وضعها المُشرّع لتحقيق هدف تصحيحي للعمل وليس عقابياً للمخالف، ولكن مع تحول الغرامات إلى هدف “جبائي” تمت معاقبة المواطن بشكل مباشر، وتمت خسارة شركاء في الإنتاج وخسارة في تأمين فرص العمل وإيراد حقيقي لخزينة الدولة.
السابق
التالي