رووا عن تلك الأيام الروايات .. كثيراً ما شعرتُ آلام الناس الذين عاشوا تلك الحقبة حية في قلوبهم .. مضى على “السفر برلك” أكثر من مئة عام .. مئة وثمانية أعوام إن حددنا الحقبة بزمن الحرب العالمية الأولى .. 1914 .. أنا طبعاً لم أعش أهوال ذاك الزمن .. هو العام الذي ولد فيه والدي رحمه الله .. أظن أنهم قلة قليلة في الدنيا الذين يتذكرون شيئاً عن تلك السنوات الفظيعة التي عرفتها البشرية .. أو ربما لم يعد من أحد يعي شيئاً عن تلك الأيام .. إن هو إلا تاريخ يروى .. وقد حفظته ذاكرة البشرية من شدة ما عانت!
غير معقول أن نصل إلى هناك في رحلة الرجعة التي نمضي فيها اليوم .. هذه مبالغات .. رغم سواد المشهد واختناق الحال .. نحن صرنا في زمن آخر بكل معنى الكلمة.. لن نعود مئة عام إلى الوراء..!!
لنفترض أن خط الرجعة خمسون عاماً فقط ..هل يتوقف تدهور حياتنا بهذه الحدود .. ؟
فبمقارنة واقعنا بما كنا عليه قبل خمسين عاماً.. يعني مطلع سبعينات القرن الماضي. كانت حياتنا أفضل من اليوم .. أيامنا الراهنة أقل مستوىً من تلك الأيام .. بكل شيء تقريباً .. لكن مع ذلك .. لا أتوقع أن حياتنا ستطأ بصعوباتها والقهر فيها والجوع والمرض، مستوى أيام السفر برلك بما نقل إلينا وحفظنا عنها.
مقدرة وسرعة التقدم اليوم، إن تحققت الانطلاقة، أكبر بكثير مما توفر لانطلاقة البشرية في النصف الثاني من القرن العشرين .. بما في ذلك انطلاقة السبعينات .. ومصدر القوة والتفوق هو تماماً في التقدم العلمي والتكنلوجي .. يعاكسه تباطؤ حالة الارادة الوثابة والبرامج الطموحة .. والصدق في الموقف والعمل ونظافة الفكر واليد..
لن نصل في تراجعنا مرحلة السفر برلك.. لكننا قد لا نتوقف عند حدود منتصف القرن العشرين!! ولا سيما من ناحية وفرة ضروريات الحياة..
كل هذا الكلام.. وهذه المقارنات يدفع إليه الخوف من تردي الحال في وفرة هذه الضروريات..
يبقى السؤال: متى تكون الانطلاقة؟ الخوف كل الخوف من الافتراض أنها تحققت وأننا نعيشها.
رغم كل ما حصل وما تسرب وما تخرب .. في سورية طاقات لا أحسن إحصاءها وتقديرها.. لكنني لا أتنبأ بها وفقط .. هي موجودة .. تعمل وتقاوم.
As.abboud@gmail.com