المنطقة العربية تنتمي إلى عائلة لغوية واحدة هي السامية والحامية وليس للإسلام علاقة في فرض اللغة العربية على شعوب غير عربية، والدليل أن الإسلام والدولة الإسلامية امتدت من الصين شرقاً إلى الأطلنطي غرباً فالفرس بقوا فرساً والأتراك بقوا أتراكاً، وكذلك غيرهم لأنهم ينتمون إلى عائلة لغوية مختلفة، فاللغة ليست كلمات تكتب أو حروفاً تشبك وإنما وعاء حضاري فيه لسان وثقافة، وطريقة تفكير الباحث المصري قاسم عبه قاسم يقول أن الرومان حكموا مصر والمغرب العربي وبلاد الشام لأكثر من سبعمائة سنة ومع ذلك فإن مصر وغيرها لو تترومن والعراق لم يتفرس، ولعل رحلة نبي الله ابراهيم من العراق إلى سورية وفلسطين ومصر والحجاز تدل على أنه تحرك في جغرافية ثقافتها واحدة، إذاً نحن نشكل منطقة متجانسة ولكنها وقعت تحت احتلالات وضعت حدوداً سياسية بينها وتريد أن تجعل منها حدوداً ثقافية واجتماعية واقتصادية ولا تتواصل أبداً، فالرومان والفرس هم من كانوا أغراباً عن المنطقة وليس العرب، وهنا أذكر مثالاً أن السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يحب العرب أقام سكة حديد تربط بين الدول الإسلامية من إستنبول إلى دمشق إلى الحجاز إلى بغداد وتمتد إلى مصر والمغرب العربي، وفي الحرب العالمية الأولى كان أول ما جرى تدميره ومنع إقامته هو سكة الحديد تلك، وقد يقول البعض أنه لأسباب عسكرية ولكن انتهت الحرب منذ مئة عام ولا زالت السكة معطلة وحالت الدول الاستعمارية دون تشغيلها وحتى الآن الغرب لا يريد أي رابط بيننا حتى لو كان سكة حديد. والرسول محمد كان في مكة زعيماً دينياً ولما هاجر إلى مكة شكل نواة لدولة عربية إسلامية وتحول إلى زعيم ديني وسياسي لجهة أن في مكة ديانات وجماعات أخرى احتاجت إلى تنظيم علاقة معها ولم يفرض عليها الدين الإسلامي، وبعد فتح مكة أصبحنا أمام دولة عربية إسلامية لها جيش وتشريع وجغرافية وقيادة ولما توفي الرسول مارس أبو بكر دوراً سياسياً وليس دور نبي لأن الوحي انقطع، واستأنف أبو بكر العمل العسكري، وكانت القوى اللصيقة بالمنطقة هم الروم والفرس كانوا بحالة تداعٍ وتراجع في عهد الأكاسرة، حيث استطاع الروم بقيادة هرقل اجتياح إمبراطورتيهم وتدمير عاصمتهم المدائن واحتلالها، واسترد منهم الخشبة التي قيل إن السيد المسيح قد صلب عليها وتسمى عادة السلبوط، ولكن هرقل تفاجأ بعد ذلك بأن لا قدرة له على المسلمين، وفي تلك الفترة توفي سيدنا أبو بكر وتولى الخلافة سيدنا عمر بن الخطاب الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة العربية الإسلامية، حيث بدأ التاريخ الإسلامي الهجري ونظم الإدارة والتشريع وخاطب قادة الإمبراطوريات وشكل جهازاً إدارياً وقضائياً للدولة الإسلامية وفي عهده تم دحر كل من البيزنطيين الروم والفرس عن الأراضي العربي، وارتسمت في عهده جغرافية عربية لها سيادتها، ودراسة التاريخ علمتنا أن لا أمان لمصر دون أمان بلاد الشام، ولا أمان لبلاد الشام دون أمان لمصر، وغالب المعارك التي جرت دفاعاً عن مصر كانت في بلاد الشام لذلك بعد فتح بلاد الشام من قبل المسلمين كان فتح بلاد مصر مباشرة لتأمين جناحي الإسلام والعروبة مصر وبلاد الشام، وفي ذلك نظرة استراتيجية وفي التاريخ لابد من الإثارة والتشويق وليس التزييف حتى لا يكون نصاً جامداً، وعندما فتح المسلمون مصر ساعدهم في ذلك بعض الأقباط في مناطق قط الفرمه في بور سعيد كما فعل الغساسنة في بلاد الشام عند الفتح الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب حيث تزامن فتح مصر وبلاد الشام خلال ثلاث سنوات، والمقوقس الذي هو ليس بالمصري ولا رجل دين هو حاكم بيزنطي ظالم لمصر وبالمناسبة المقوقس هو ليس اسمه بل كرلس وهو والي بيزنطي جمع بين السلطة الدينية والسياسية ومع ذلك بقيت مصر منذ ذلك التاريخ تحمل هويتها العربية الإسلامية ومن ضمن العائلة اللغوية العربية، من هنا تأتي أهمية التأكيد على اللغة العربية كمظلة ثقافية حضارية جامعة توحد بين أبناء الأمة العربية مهما اختلفت الحدود السياسية وأنظمة الحكم، فهي الوعاء الجامع لنا بوصفنا أبناء أمة وحضارة عريقة ضاربة الجذور في تاريخ البشرية.