مشكلة حقيقية يعيشها العاملون في الدولة منذ العام 1985 عندما صدر قانون العاملين الموحد، وبدلاً من تلافي هذه المشكلة عادت لتتجدد في عام 2004 عند صدور القانون رقم / 50 / المتضمن النظام الأساسي للعاملين في الدولة، وهي تلك التي تتمثّل بالسقوف الحادة التي استطاعت أن تُحبط الكثير من المبادرات.. وإبداعات العمل، بعد أن خلقت أجواء إحباطية ما تزال تُشكّل اللغز غير المفهوم الذي جهد السادة المشرّعون لتثبيته والتمسك به.
من هذه السقوف المعمول بها إلى اليوم طبعاً (سقف الراتب) فبعد العديد من الترفيعات التي يتدرّج بها العامل في الدولة، بمعدّل مرة كل سنتين، يصل إلى حدٍّ لا يحق له بعده أن يحصل على أي ترفيع، رغم أنها بالأصل ترفيعات زهيدة لا تتعدى 9% من الراتب المقطوع في أقصى حالاتها، ووقتها يكون العامل قد وصل إلى ذروة عطائه وخبرته، وكان بدلاً من أن يتم تحفيزه أكثر لاستثمار تلك الخبرات وزيادة علاواته وترفيعاته بطريقة تراعي عطاءه وإمكاناته، وتشجعه على المزيد من العمل، يأتي هذا السقف بحجب الترفيع لأن الراتب يكون قد وصل إلى حدّ معين! ولا ندري كيف أن المشرّع نظر هنا إلى الراتب وركّز النظر عليه، وجعل كل الإمكانات والقدرات والخبرات تراوح هنا، من دون أن يلتفت إلى ما وراء الراتب، وما الذي كان يمكن لهذا العامل – في حال التحفيز واحترام خبراته وإمكاناته – أن يقدم لمؤسسته أو شركته من الفوائد التي تفوق بآلاف المرات حصيلة الانكماش الممكن جراء توفير موهوم ناجم عن حجب أي علاوة ترفيع، والأنكى من ذلك أن هناك علاوات في بعض أبواب القانون تُمنح للعاملين، ولكن يبقى الشرط دائماً بألا تفعل العلاوة فعلها وتوصل العامل إلى أجرٍ يتجاوز السقف المحدد لفئته، وكأن الأمر هو نوع من إقالة العامل وتحييده من أي محاولة إبداعية تسهم في تحسين بيئة العمل، ودفعه نحو التسيّب واللامبالاة، فهو مسقوف ومهما فعل فسيبقى مسقوفاً.
وكذلك الأمر في عالم الصحافة، حيث يلعب السقف دوراً إحباطياً بنظام استكتاب مستوحى – على ما يبدو – من جوهر قانون العاملين في الدولة، فهناك سقف بدا مضحكاً – وخاصة في هذه الأيام – ليس لأي محرر صحفي أن يتجاوزه، مهما كان مبدعاً في كتاباته، ومهما قدّم من جهود مضنية، فالصحفي يحق له أن يتقاضى شهرياً – مثلاً – من / 20 / إلى / 25 / ألف ليرة ورئيس الدائرة ( أخبار – اقتصاد – محليات – مجتمع – ثقافة – رقابة – رياضة .. وإلى ما هنالك … ) يحق له أن يتقاضى من / 30 / إلى / 35 / ألف ليرة شهرياً، وإن وصل التعويض إلى هذه الحدود – حتى وإن كان هذا الوصول خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر – فإن كل ما ينجزه الصحفي أو رئيس الدائرة بعد ذلك يكون مجاناً وبلا أي تعويض ولا أجر .. فأي إحباطٍ لسادة الأقلام أكثر من هذا الإحباط ..؟! وأي شيء يمكن أن يجعل العمل متخلفاً أكثر من ذلك ..؟! لماذا سيندفع الصحفي للتقصّي والتحقيق وصناعة الأخبار ومختلف الأنواع الصحفية بعد أن يدرك أنه سيفعل ذلك مجاناً ومن دون أي تقدير ولا تثمين ..؟!
هي مشكلة حقيقية تلك السقوف .. وآن لها أن تُفتح .. فقد فعلت بما فيه الكفاية لجهة الإحباط وتراجع العمل وفقدانه للكثير من حالات النهوض التي كانت ممكنة.. وآن لنا أن نطلق العنان للمبادرات والإبداعات بعيداً عن السقوف القاتلة لها.
السابق
التالي