واضحة وضوح الشمس مكونات الواقع الاقتصادي السوري، فرغم الحديث عن الإنتاج والنهوض به وتمكينه في مراحله التي يعوَّل عليها كحجر زاوية في الانطلاق الاقتصادي الوطني، إلا أن المطاعم والمولات والمقاصف والنوادي تسيطر سيطرة مطلقة على مفاصل الاقتصاد وتتغلب على كل ما عداها.
الانتشار الواسع الذي تحققه المطاعم والمولات وما لف لفّها يؤكد الجدوى الاقتصادي منها واستمرارها، في وقت تشهد فيه قطاعات أخرى حالة قحط غير مسبوقة في التمويل والعمالة وأسواق التصريف، الأمر الذي يحتاج إلى تحريك العجلة الاقتصادية ولو البسيطة على مستوى رأس المال العامل اليومي.
لا تعاني هذه المرافق من شيء، فالكهرباء مؤمنة لها على مدار الساعة وما حولها ظلام حالك، ومواد ومكونات موائدها العامرة مؤمنة رغم كل العقبات، في وقت لا يمكن للمواطن فيه وفي كثير من الأحيان تأمين صنف من الدواء الضروري للحياة إلا عبر التوصيات إلى البلاد المجاورة أو الصديقة، ما يعني وبعبارة أخرى أن المطاعم وسواها من المرافق الخدمية الشبيهة هي عنوان الحالة الاقتصادية كما هي سيدة الموقف.
المشكلة في هذا الأمر ليست الحسد أو حتى ضيق العين، بل المسألة أن الإنتاج الحقيقي محروم من أدوات ووسائل الاستمرار وبالتالي اشتداد العود والنهوض، فالمئات من الورشات التي ترفد السوق المحلية بالسلع مقبولة السعر نسبياً تقبع في الحارات والأزقة السكنية مثلاً، وتحديداً في الأقبية، وعلى أقل تقدير توجد في أقبية أبنية بعض الأسواق الشعبية، وتعاني ما يعانيه المواطن من انقطاع الكهرباء وغياب الكثير من الخدمات والمزاجية في التعامل مع محيطها وبالتالي معها.
لا يمكن لاقتصاد أن ينهض على أكتاف المطاعم والمولات والنوادي، ففرص العمل التي تؤمنها محدودة وحتى ضرائبها خجولة، طبعاً إن سلمنا جدلاً أنها تدفع بسهولة وبحسب تقدير المالية، في حين أن الحل الحقيقي للركود أو الفالق الاقتصادي الحاصل يقبع هناك بين عامة الناس، ويحتاج ربع أو حتى عُشر ما تستهلكه من الكهرباء المطاعم ومحال الألبسة والطعام وسواها، الأمر الذي يحرّض على الاهتمام بتلك الورشات وعمالها بتأمين ضرورات عملها، وصولاً إلى تخفيض سعر المبيع للمستهلك من إنتاجها، لأن تأمين الكهرباء لها وتحديداً الكهرباء يعني إلغاء كلفة المازوت أو البنزين وزيت المولدة من قائمة التكاليف، وعليه نكون قد ضمنّا للمواطن بعض حاجاته وبسعر مقبول، وليذهب بعد ذلك من يرغب بالمطعم إليه.
السابق
التالي