المؤتمر القومي العربي هو منظمة وإطار عمل سياسي يضم شخصيات قومية عربية تؤمن بفكرة الوحدة العربية وتعمل على توفير ظروف تحقيقها من خلال الدعوة لها كضرورة وحاجة عربية ومصلحة قومية قبل أن تكون حلما يراه البعض رومانسياً وقد استطاع المؤتمر القومي العربي منذ تأسيسه قبل ثلاثة عقود تقديم رؤى متقدمة تعالج القضايا التي تعاني منها الأمة العربية ومجتمعاتها لجهة النهوض بها لترتقي إلى مصاف القوى الكبرى عبر تحقيق ذاتها القومية سيما وأننا في عالم يقوم على التكتلات الكبرى عالم لا مكان فيه للصغار أو التائهين في مسار التاريخ.
إن الظروف التي تعيشها الدولة القطرية العربية والأمة العربية على وجه العموم هي ظروف غاية في الصعوبة فالدولة الوطنية العربية مهددة والفكر القومي محارب من قوى متعددة ناصبت وتناصب الفكر القومي والأمة العربية عداء تاريخياً لا بل أن ثمة شعوبية جديدة بدأت تبرز على السطح وتعلن جهاراً نهاراً عداءها لفكرة العروبة ومحاولة تسفيهها والانتقاص منها والسعي لنفيها متنكرة لحقائق التاريخ والجغرافيا متعامية عن إدراك حقيقة أن العرب أمة واحدة بل وأكثر من ذلك بدأت تصوب وتهاجم كل من يدعو ويعمل لفكرة العروبة سواء كانوا قادةً أو دولاً أو أحزاباً وقوى وتنظيمات سياسية كما هو حال المؤتمر القومي العربي الذي يكاد يكون الإطار المنظم الوحيد والخيمة النظيفة التي تجمع بعض شرفاء الأمة والمدافعين عن وجودها الحضاري وحقها الطبيعي في أن تكون تحت عناوين واحدة وعلى التوازي مع ذلك ثمة علو للنبرة التفتيتية مع استيقاظ غير مسبوق للهويات والانتماءات والحلقات الضيقة من طائفية ومذهبية وعرقية وجهوية مع توتير طائفي ارتفعت وتيرته خلال العقد المنقضي سيما بعد ما سمي الربيع العربي وما رافقه من محاولات لضرب العقد الاجتماعي الوطني في كل دولة عربية ما يهدد بنية المجتمعات العربية ويدق أسافين بين أبناء الدولة الواحدة بهدف فرط العقد الاجتماعي والسعي لتشكيل وعي ضدي بين أبناء البلد الواحد انطلاقاً من فكرة التنوع التي تميز المجتمعات العربية تحويلها من سمة وميزة لتلك المجتمعات إلى عامل تنافر وتضاد وتناحر والأكثر من ذلك السعي لإسقاط فكرة المواطنة والوطن.
وفي إطار السعي لتحقيق الأهداف التي نشأ المؤتمر القومي العربي أساساً لتحقيقها والدفع باتجاهها فقد عمل بشكل دائم ومستمر على مواجهة كل تلك الردات والارتدادات التي أصابت بعض مفاصل الأمة عبر مواقف البعض من حكامها والنظام الرسمي العربي لجهة تصحيح البوصلة العربية باتجاه القضايا الكبرى للأمة العربية ولاسيما قضية العرب المركزية قضية فلسطين التي لازالت هي القضية التي توحد على الأقل مشاعر أبناء الأمة وتحتل حيزاً هاماً من رأسمالها الرمزي التاريخي وتسكن وجدانها الجمعي إضافة إلى أن المؤتمر القومي العربي عمل ويعمل رغم ظروف حصاره ومحاولات التضييق عليه مالياً وإعلامياً والتصويب عليه عبر بعض الأقلام والأصوات استمر مثابراً باتجاه الدفع بالعمل العربي المشترك والسعي الصادق لنبذ الخلافات العربية العربية والتطبيع بين الدول العربية بدل التطبيع مع الكيان الصهيوني العدو الأساسي للأمة العربية ومشروعها النهضوي ورأس الحربة لقوى الهيمنة العالمية ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وتوابعها.
لقد شكل انعقاد المؤتمر القومي العربي في دورة انعقاده التي تحمل الرقم 31 في بيروت بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا وبحضور ومشاركة أكثر من 200 شخصية عربية فكرية وثقافية وسياسية ونضالية من مختلف الأقطار العربية استمراراً لنهج المؤتمر وخطه القومي العربي وهويته النضالية وثوابته التي لا يستطيع أحدا أيا كان موقعه في هيكلية المؤتمر النيل منها أو حرفها عن مخرزها ونواتها الصلبة الأمر الذي لمسه ويلمسه جميع من ساهم في أعماله أو تابع نتائج ومضمون البيان الصادر عنه إضافة لغنى العناوين التي ناقشها واشتغل عليها وهي مواضيع ليست بالجديدة على جدول أعماله يضاف إليها عنوان خاص متعلق بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وسبل المواجهة إضافة إلى أنه شكل فرصة للحوار بين أعضائه على اختلاف المشارب السياسية مع وحدة الهدف وهو سبل تحقيق الوحدة العربية وتحت عنوان يراه البعض إشكاليا وهو ما جرى تسميته الكتلة التاريخية.
لقد عالج وناقش المؤتمر بعمق وبشعور عال بالمسؤولية وحرص على وحدة الموقف في مساحات التوافق لا الخلاف كل ما يواجه الحالة العربية من تحديات ذات طابع راهني أو وجودي مع تبصر للمستقبل وخلص إلى بيان أكد على أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية وأنها ليست ورقة للمساومة فهي من نوع الحقوق غير القابلة للتصرف فهي قضية شعب لا حكام لا بل أن كل من يسعى للعب بها سيكون معزولاً شعبياً وفاقداً للشرعية هذا إذا كان أساساً نتاج شرعية شعبية أو دستورية وأكد المؤتمر على خيار المقاومة الخيار الأساسي والوحيد لتحرير فلسطين والجولان وكل أرض عربية محتلة أو مغتصبة كما قدر المؤتمر تضحيات الشعب العربي السوري ومواجهته للعدوان الإرهابي الغربي الصهيوني الذي يستهدف أبناء الأمة بدون استثناء وطالب بوقف العدوان الأميركي والتركي والصهيوني على الأراضي السورية ورفض كل أشكال العبث بالجغرافية الوطنية السورية ومحاولات القوى الانفصالية النيل من وحدة التراب السوري كما طالب برفع الحصار الاقتصادي غير الشرعي عن الشعب السوري تحت عنوان قانون قيصر وإضافة لذلك دعا المؤتمر لوقف التدخلات الخارجية في الأقطار العربية والدعوة للحوار الداخلي في كل من اليمن وليبيا والعراق ومساندة لبنان ودعمه في مواجهته لكل أشكال التضييق عليه بوصفه البلد المقاوم.
أمام كل هذا الذي جرى ويجري وما انبثق عن المؤتمر من مواقف واضحة تجاه ما واجه ويواجه الأمة من تحديات فإن ما يدعو للاستغراب وطرح المزيد من الأسئلة وعلامات الاستفهام لماذا كل هذا الهجوم على المؤتمر القومي العربي من بعض الكتاب والمثقفين وصناع الرأي العام في الساحة العربية ولماذا محاولات التصويب عليه والتشكيك بآلية عمله ولماذا لا نمارس النقد من داخله إن كان من ملاحظات على الأداء أو البنية المشكلة له والمساحات التي يتحرك وفقها سيما وأن مساحة وحيزاً واسعاً من الحرية والتعبير والنقد والرأي والرأي الآخر تتيحها أجواء المؤتمر بوصفة ندوة برلمانية شعبية عربية نظيفة وصادقة ومسؤولة.
عضو الأمانة العامة (سورية)