الثورة:
في مقدمة دراسته دول وكيانات عربية قبل الإسلام الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب في هذه الدراسة الموثقة بالدلائل التاريخية يرى الباحث الدكتور خلف الجراد أن أمتنا تتعرض اليوم, بل منذ مئات السنين، إلى تشويه متعمد لتاريخها القديم والجديد على حد سواء، مع تشكيك خطير يشارك فيه للأسف عدد من أبنائها أدعياء العلم والثقافة وحملة الأقلام والشهادات الأكاديمية العالية.
ثم يشير إلى أخطر مزاعمهم أي تلك التي تمكنوا من ترويجها عن أن العرب في بلاد الشام جاؤوا إليها واستوطنوها في أعقاب الفتح العربي الإسلامي، وأنه لم يكن لهم وجود ملموس وواقعي من قبل.
وقد أضافوا فرية أخرى مؤداها أن سكان بلاد الشام والعراق من الآراميين والأكاديين والبابليين والآشوريين لا يمتون بصلة للعرب (المسلمين) إلا كصلة الغالب للمغلوب والمستعمر للمستعمر.
ثم عقد دراسته الأولى وهي بعنوان : جغرافية جزيرة العرب، وموقع بلاد الشام فيها، من أجل تصحيح ما اعتبره تضليلاً تاريخياً متعمداً إذ ساد الاعتقاد أن العرب غزاة وغرباء عن جزيرتهم وليس شبه جزيرتهم كما عمموا ذلك في كتاباتهم ومناهجهم لفصل العراق والشام ووادي النيل عن الجزيرة العربية الممتدة من عدن إلى الفرات، ومن الخليج العربي إلى وادي النيل وتحديداً الضفة الشرقية من الوادي.
وعدد الشعوب العربية العتيقة التي سكنت بلاد الشام وهي:
الفينيقيون أو الكنعانيون وهم شعب واحد لغة وديناً وحضارة، من سكن الساحل سماهم الإغريق فينيقيين ومن سكن الداخل ظل على التسمية المعروفة.
– الآراميون
– الأموريون
– المدينيون
– العماليق
– الأنباط
– التدمريون
ومن أشهر القبائل اليمانية التي سكنت بلاد الشام قبل الإسلام قضاعة ومنها قبيلة كلب.
وكان الغساسنة ملوك الشام قبل الإسلام.
ومثلما يرفض الباحث تسمية الجزيرة العربية بشبه الجزيرة كذلك يرفض السامية كأقوام ولغات بعدما تم تشويه وتزوير من هم الساميون ومن هم أعداء السامية.
ويخصص الدراسة الثانية من كتابه القيم للعلاقة ما بين العربية والسامية مبتدئاً التعريف بالعرب بعد طرح ذلك كسؤال افتتاحي بحثي: أولاً من هم العرب… وما المقصود بهذه الكلمة؟ وهو بحث معمق في أصل الكلمة وورودها في المصادر العربية وغير العربية القديمة منها والحديثة.
وفي هذه الدراسة وقفة خاصة مع مصطلحي العرب والأعراب ولا سيما من هم الأعراب الذين نعتهم القرآن الكريم بالأشد كفراً ونفاقاً، ولا بد أن نثني على ما ذكره من توضيح بأنهم جماعة محددة جاءت إلى النبي طلباً للمغانم وليس إيماناً أو تقوى: وفيهم قوله تعالى: قالت الأعراب آمنا.. نص الآية.
أما الدراسة الثالثة فجاءت تحت عنوان: هجرات( جزرية ) قديمة إلى بلاد الشام والعراق وتجلياتها الحضارية، ومن ذلك عرب الجنوب وموجز حضارتهم.
ويرى الباحث أن شبه الجزيرة العربية مصدر الهجرات إلى بلاد الشام والرافدين, بدءًا من العموريين إلى الكنعانيين – الفينيقيين الشعب العربي الثاني الذي يصل إلى سورية ويخصص لهم عنواناً يبحث فيه عن إشكالية الجغرافيا والتسمية ويبرز اكتشاف السوريين الكنعانيين للأبجدية، مع بيان آلهتهم ص 146 والهياكل التي بنوها والأصنام والأماكن المرتفعة وعادات الدفن.
بعد ذلك ينتقل إلى هجرة الآراميين إلى سورية والعراق مؤكداً ما يلي: عدم التسليم بالاعتماد على النصوص التوراتية كمصدر لتاريخنا العربي القديم ولا سيما التفسيرات التلفيقية لإحداثها وأساطيرها.
كان ذلك مقدمات للبحث المراد والذي هو غاية المؤلف أي الدول والكيانات العربية في بلاد الشام قبل الإسلام التدمريون والمناذرة والغساسنة بهدف تأكيد الوحدة الحضارية للوطن العربي التي ينكرها كثيرون، أما الحديث عن كل من هذه المباحث على حدة فإنما جاء لتسهيل البحث.
ويمكنني أن أتوقف عند ملوك غسان وما أشار إليه الباحث من تعدد الرويات حولهم بما يعطي انطباعاً عاماً بأننا في حاجة ماسة لقراءة تاريخنا مع شيء كبير من التفهم للتسميات والمصطلحات وما حملت من تعددية في التوصيف من دون أن نركن إلى محدد واحد.
لقد اختلف في عددهم ولكن لم يختلف على وجودهم ولو بتسميات مختلفة من أمير أو ملك أو بطريق أو غير ذلك من ألقاب منحها إياهم الروم في مرحلة التعاون والاعتراف بهم.
والأمر المهم والذي بينه الباحث وهو ينافح عن التضليل أن الغساسنة لم يأتوا إلى سورية بجيش ومعارك حربية بل كانوا منذ خروجهم من اليمن بعد خراب سد مأرب كقبائل رحل استقرت في تهامة ثم أخذت طريقها إلى مشارف الشام ثم وصولها إلى نبع غسان وكل من ورد هذا النبع صار غسانياً.. أي أنهم ليسوا عشيرة ولا قبيلة بل هم قبائل وعشائر يمانية أخذت مكانها وحكمت مئات السنين أرضاً لها وتجذرت في هذه البقعة من الجزيرة العربية وسادت فيها ولم تكن غريبة عنها وأقامت ملكها قبل أن يعترف الروم بهم وبحارثهم بن جبلة وهو بطلهم التاريخي.
بقي أن أنوه بالجهد الكبير الذي بذله الباحث الدكتور خلف الجراد لإنجاز هذه الإضافة والإضاءة على جزء من تاريخنا وصفحاته في مرحلة تاريخية هي الأصعب على الباحث لتعدد المصادر وما تحمله من رويات تحتاج إلى الكثير من المراجعة والبحث.
رياض طبرة