في ذاكرة الكثيرين منا تقدير وقيمة كبيرة لرغيف الخبز، ونحن صغاراً وخلال انشغالنا باللعب عندما كنا نرى قطعة خبز على الأرض نتوقف لالتقاطها نقبلها ونضعها على جبيننا، وحتى أمهاتنا كنّ يبدعن في استخدام الخبز القديم في أكلات عديدة كالفتوش والفتة والحراق بأصبعو حتى لا ترمى قطعة واحدة منه.
النعمة والقيمة الكبيرة لرغيف الخبز لدينا لم تأت من فراغ، ففي أشدّ الظروف صعوبة التي مرت على البلد ولا شكّ أنها مستمرة وأكثر شدة الآن كان الشعور بالراحة والأمان والقوة سائداً طالما صوامع الحبوب مليئة بالقمح وآلات المطاحن تعمل على مدار الساعة والمخابز تنتج الخبز للناس، فهذا يعني استقلال قرارنا الاقتصادي وبالتالي قرارنا السياسي وضمان أمننا الغذائي.
مرد كلامنا هو أخبار كثيرة مدعمة بالصور تتناقلها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن تردي وسوء نوعية رغيف الخبز المنتج وفي مختلف المحافظات بشكل غير مسبوق، فمن رائحة الخميرة المنفرة، للشكل غير الصحيح وليس انتهاءً بظهور بعض الشوائب أحياناً، وتندر البعض أنها قد تكون من المغذيات التي وعدنا بتضمينها ضمن رغيفنا حرصاً من المعنيين على صحتنا كل هذا الواقع السيئ الذي يشهده واقع إنتاج الخبز يأتي في ظل استمرار التجارب الفاشلة التي تبنتها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في مسلسلها الطويل المعنون باسم دعم وتطوير الخبز والحصول على رغيف جيد النوعية لتكون النتيجة على الأرض مغايرة تماماً للهدف المعلن، والأسوء زيادة كمية الهدر بالخبز لسوء الإنتاج.
نعم من المهم أن يكون لدى الحكومة خطة وتوجه عام عبر ذراعها المنفذ وزارة “حماية المستهلك” لاعتماد آلية دعم جديدة وواضحة للخبز وقد تواجه بعض الثغرات في تنفيذها على الأرض ولكن ليس مقبولاً استمرار التجريب في مادة تعدّ من أساسيات غذاء المواطن دون تلمس نتائج وأهدف جرى الحديث عنها كثيراً، ولعل خير دليل على فشل تلك التجارب استمرار مشاهدة باعة الخبز أمام الأفران وبيعه بأسعار مضاعفة، وطبعا لا يتم ذلك دون التنسيق وتقاسم الغلة مع القائمين على الأفران ومن خلفهم بعض المعنيين بالرقابة والفساد الحاصل بتهريب الطحين المدعوم للمخابز الخاصة أو التلاعب بكميات المحروقات والهدر الكبير بالخبز جراء سوء نوعيته، وبدلاً من حل مشكلة خلقت أزمة تضاف لقائمة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المواطن منذ سنوات وحلولها أيضاً لا تزال دون المستوى المأمول.