لا يمكن النظر لقمة طهران، بين الرؤساء الثلاثة، الروسي الإيراني والتركي، باعتبارها رداً على قمة جدة، في أيّ من نواحيها، فلا مقارنات ولا مقاربات في الشكل أو المضمون، النافر الوحيد في قمة طهران، هو حضور رئيس النظام التركي رجب أردوغان، حيث إنّ موقعه الطبيعي هو قمة المهزومين في جدة، ولكن كما قلنا منذ معركة حلب عام 2016، إنّ أردوغان حاول الانتقال إلى مركب المنتصرين، قبل غرق سفينة المهزومين ولو بساقٍ واحدة، لتبقى ساقه الأخرى في سفينة المهزومين، لأنّه بطبيعته يستمرئ القفز على الحبال.
قمة جدة هي عبارة عن محاولات يائسة لإعادة إنتاج الهيمنة الأمريكية، بأدواتٍ أقل ما يُقال عنها أنّها بدائية ومستهلكة، حيث لم تعد الولايات المتحدة، الإمبراطورية الهرمة، تمتلك القدرة القديمة على الفعل منعاً أو تقريراً، وكما تهكم قديماً وزير الدفاع الأمريكي على أوروبا، باعتبارها القارة العجوز، فقد أصبحت الولايات المتحدة هي العجوز، الفرق أنّها عجوز لم تقتنع بعجوزيتها فتحاول التصابي.
ولا يمكن لقمةٍ تجمع أصحاب المشاريع الفاشلة أن تعيد إنتاج الاستراتيجيات المفضية لتغيير موازين العالم، العالم الذي يقف على أعتاب بزوغ قرن الأقطاب المتعددة، وهذا لم يعد مجرد شعار ترفعه قوى مقاومة الهيمنة الأمريكية، بل أصبح واقعاً تقرره الوقائع، بل ويُقرّ به المتطرفون على الضفة الأخرى، كرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، حيث أقرّ بانتهاء القدرة الغربية على التفرد، وأنّ العالم يتجه لتعدد الأقطاب.
أمّا قمة طهران فهي على العكس تماماً، حيث اجتماع القطب العالمي الجديد روسيا، مع قطبٍ إقليمي صاعد إيران، وهو تحالف يمتلك كل أسباب القوة وكل أدوات الفعل، وهو التحالف الرئيسي الذي ساهم في غلّ يد الولايات المتحدة وكسرها في بعض الأحيان.
سورية كانت على رأس جدول أعمال القمة الثلاثية، في محاولة بعث أستانة من جديد، حيث لم يكفّ أردوغان عن الرغاء بعمليةٍ عسكريةٍ في الشمال السوري، وحاول في هذه القمة استغلال ذلك الرغاء للحصول على بعض المكتسبات، مقابل إلغاء تلك العملية.
لكن أردوغان لا يمكنه مواجهة نتائج تلك العملية الكارثية على بلاده ونظامه منفرداً، وقد جرّب قديماً وألحّ لأن تكون حربه تلك هي حرب”الناتو” مجتمعاً، لكن”الناتو” قال له” اذهب وحدك وقاتل”، لذلك فإنّ الطرفين الروسي والإيراني يعرفان حدود قدراته، كما ويعرفان الموقف السوري الحاسم والجازم في حرمة الجغرافيا السورية، وعليه لا يمكن لأردوغان بيع تلك الثغاءات في طهران، خصوصاً مع وصول وزير الخارجية السوري إلى طهران، للتأكيد على الثوابت السورية ومحرماتها.