مئة عام على صك الانتداب.. رؤية نقدية

شكلت صيغة ما سمي الانتداب والوصاية التي أقرتهما عصبة الأمم بعد قيامها عام 1920 شكلاً من أشكل الاستعمار بمسمى جديد وكان أولى ضحايا تلك الصيغة هم العرب ولاسيما الشعب الفلسطيني الذي وضعت دولته الخارجة عن السلطنة العثمانية تحت وصاية بريطانية كانت الغطاء للمشروع الصهيوني الهادف للسيطرة على فلسطين.
ومع أن قرار وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني صدر عن العصبة إلا أن ثمة مطاعن قانونية جسيمة شابته وتضمنته فالانتداب أساساً يفترض وجود حكومة فلسطينية يتم التعامل والتنسيق معها من الدولة المنتدبة ولكل منهما صلاحيات واضحة ومحددة ويقتصر دور الدولة المنتدبة على النصح والإرشاد لتحقيق الأهداف المتوخاة من الانتداب.
وبالعودة للواقع فإن ذلك لم يحصل بل إن ما حدث هو تعاون السلطة المنتدبة مع الوكالة اليهودية التي تم الاعتراف بها في صك الانتداب إضافة إلى تضمينه فقرة تتعلق بتنفيذ وعد بلفور ما يعني أن الانتداب ما هو إلا غطاء وحاضنة لشرعنة قيام كيان يهودي في فلسطين وليس الأخذ بيد الدولة الفلسطينية لتحقيق إدارة شاملة لمن خرج من رقبة السلطنة العثمانية.
يتضمن صك الانتداب في مادته الخامسة نصاً يقول: تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن ضمان عدم التنازل عن أي جزء من أراضي الدولة المنتدبة من أراضي فلسطين إلى أيّ جهة أجنبية وهذا لم يحصل إضافة إلى أن صك الانتداب تضمن بشكل صريح بنداً يقول بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين ويشير إلى الفلسطينيين بوصفهم أهالٍ وليسوا مواطنين وهذا يعكس نوايا مبيته لتجاهل وجود شعب فلسطيني.
ونصت عهدة العصبة على أن السيادة تبقى للدولة المعنية بالانتداب عليها وليس للدولة المنتدبة لا لعصبة الأمم ويكون حق اختيار الدولة المنتدبة هو خيار الشعب الفلسطيني وهذا لم يحصل حيث كان قد تقرر في مؤتمر سان ريموا 25-4-1920 وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني وعلى خلفية ذلك وما يشكله من انتهاك للعهدة فقد استنكر الأمين العام للعصبة في مذكرة له إلى مجلس العصبة بتاريخ 30-7-2022 جاء فيها: إن توزيع الدول الكبرى للانتدابات ليس قانونياً ولا يمكن الاعتراف به وقد أيده في ذلك المسيو هيماش مندوب بلجيكا في العصبة حيث أعلن أن قيام المجلس الأعلى بتوزيع الانتدابات يخالف عهد العصبة وأحكام القانون كما أكد الفقيه القانوني فوشيل أن اختيار الدول المتحالفة الكبرى بريطانيا للانتداب على فلسطين قد جرى خلافاً لأحكام ونص المادة 22 من ميثاق العصبة فهو باطل من الوجهة القانونية والى جانب تلك المخالفات ثمة مسألة أخرى تتعلق بقبول(إسرائيل) عضو في الأمم المتحدة حيث كان مشروطاً بتعهدها بتنفيذ القرارين 181و194 حول تقسيم فلسطين وحق العودة الأمر الذي لم يحصل إضافة إلى عدم التزامها بتنفيذ القرارين 242 و338 المتعلقان بالانسحاب من الأراضي التي احتلت بعدوان حزيران 1967.
مما سبق يبدو واضحاً أن مؤامرة كبرى تعرض لها الشعب الفلسطيني انتهت بسرقة أرضه واستيطانها من قبل جماعات يهودية جيء بها من أوروبا لتكون بؤرة استيطانية واستعمارية شكلت عصبة الأمم غطاء لها لجهة شرعنه ما سمي انتداباً الذي لم يكن في جوهره إلا حاضنة وفرت بيئة ومناخاً وأرضية لولادة كيان غير شرعي اسمه إسرائيل تنفيذاً لوعد بريطاني ألصق ببلفور وزير خارجية ناطق باسم الحكومة البريطانية وجلالة الملك.
ما يعني أن بريطانيا بوصفها دولة منتدبة خالفت صك الانتداب وعهدة عصبة الأمم تتحمل المسؤولية التاريخية والقانونية والأخلاقية لما حل بالشعب العربي الفلسطيني من مآس وضياع لوطنه وتشريده ما يوجب عليها التعويض للفلسطينيين وتصحيح الخطأ عن الجريمة التاريخية والمستمرة بحق ذلك الشعب وممارسة نفوذها بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن لإعادة الحق إلى أصحابه.
وهنا يمكن للمؤسسات الفلسطينية السياسية والشعبية ومنظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني الدفع بذلك في كل المحافل كما يمكن للجهات القانونية الفلسطينية وكل المتضررين من ذلك إقامة الدعاوى في المحاكم الدولية والخاصة لإلزام بريطانيا القيام بتنفيذ كل ما يترتب عليها من مسؤوليات وحقوق سياسية ومدنية.

آخر الأخبار
Al Jazeera: لماذا تهاجم إسرائيل سوريا؟ الأمم المتحدة تدعو للتضامن العالمي مع سوريا..واشنطن تقر بمعاناة السوريين... ماذا عن عقوباتها الظالمة... دراسة متكاملة لإعادة جبل قاسيون متنفساً لدمشق " الخوذ البيضاء" لـ "الثورة: نعمل على الحد من مخاطر الألغام ما بين إجراءات انتقامية ودعوات للتفاوض.. العالم يرد على سياسات ترامب التجارية "دمج الوزارات تحت مظلّة الطاقة".. خطوة نحو تكامل مؤسسي وتحسين جودة الخدمات بينها سوريا.. الإدارة الأميركية تستأنف أنشطة "الأغذية العالمي" لعدة دول The NewArab: إسرائيل تحرم مئات الأطفال من التعليم الشعير المستنبت خلال 9 أيام.. مشروع زراعي واعد يطلقه المهندس البكر في ريف إدلب برونزية لأليسار محمد في ألعاب القوى استجابة لمزارعي طرطوس.. خطّة سقاية صيفيّة إيكونوميست: إسرائيل تسعى لإضعاف وتقسيم سوريا المجاعة تتفاقم في غزة.. والأمم المتحدة ترفض آلية الاحتلال لتقديم المساعدات أردوغان يجدد دعم بلاده لسوريا بهدف إرساء الاستقرار فيها خطوة "الخارجية" بداية لمرحلة تعافي الدبلوماسية السورية  الشرع يترأس الاجتماع الأول للحكومة.. جولة أفق للأولويات والخطط المستقبلية تشليك: الرئيس الشرع سيزور تركيا في الـ11 الجاري ويشارك في منتدى أنطاليا بعد قرارات ترامب.. الجنيه المصري يتراجع إلى أدنى مستوياته الأمم المتحدة تحذر من انعدام الأمن الغذائي في سوريا.. وخبير لـ" الثورة": الكلام غير دقيق The Hill: إدارة ترامب منقسمة حول الوجود العسكري الروسي في سوريا