الثورة- ترجمة – ميساء وسوف
بدأت الرياح العالمية المعاكسة في الآونة الأخيرة، التي بدأها التنافس الجديد بين القوى العظمى، والتي تفاقمت بسبب الوباء، وتفاقمت أكثر وبسرعة بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، تلقي بظلالها في أجزاء مختلفة من العالم. على الرغم من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الرئيسية، هناك مستوى متزايد من هيمنة الجغرافيا السياسية على التحديات الأخرى.
بالنظر إلى المستقبل، هناك بعض أوجه عدم اليقين الرئيسية، بما في ذلك تلك المتعلقة بمدة الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرار نظام العقوبات الاقتصادية، وإعادة ظهور سياسات الكتلة، واستقرار الاقتصاد الكلي، وتغيير أنماط التجارة وسلاسل التوريد.
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها السادس، تبدو احتمالات التوصل إلى وقف إطلاق نار متفق عليه ضئيلة، باستثناء تلك المتعلقة بالتوصل إلى تسوية تفاوضية. بدأت إعادة تنظيم روسيا لأهدافها وتغيير إستراتيجيتها خلال الحرب، للتركيز فقط على شرق وجنوب أوكرانيا. في موازاة ذلك، أدت الاستراتيجيات الغربية لدعم أوكرانيا ومساعدتها لتخطيط العمليات العسكرية وتنفيذها، والموقف القوي لحلف الناتو تجاه الدول الحدودية الأخرى، والعقوبات الاقتصادية الشاملة متعددة الأطراف ضد روسيا، إلى زيادة تشدد الموقف على كلا الجانبين، هذا المزيج من الحرب والمساعدات العسكرية، والعقوبات واسعة النطاق كلها أسفرت عن مجموعة من التحديات الجديدة كانت لها تداعيات عالمية ولم تقتصر على أوروبا الشرقية فقط.
إن مفهوم العقوبات الاقتصادية قديم، وقد خضع تصميمه وهيكله للعديد من التغييرات على مر القرون. لطالما كان هناك نقاش حول فعالية العقوبات في تحقيق النتائج السياسية، مما أدى إلى انقسام الآراء بين الخبراء. ومع ذلك، فإن استخدامها كأداة سياسية من قبل الولايات المتحدة قد تضاعف منذ نهاية الحرب الباردة، مدفوعاً في المقام الأول بالتعايش بين القطبية الأحادية والعولمة، وقد تم استخدام عقوبات رادعة وعقابية، من جانب واحد أو بالتنسيق مع شركاء آخرين. وزادت الأمم المتحدة أيضاً من استخدام العقوبات بشكل كبير، بموجب أحكام المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة.
في سياق النزاع بين روسيا وأوكرانيا، تم تطبيق مجموعة من العقوبات ضد روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وانضم إليها عدد قليل من الشركاء الآخرين خلال الفترة من 2014 إلى 2021، إن التطبيق التدريجي لهذه العقوبات سمح بمستوى عالٍ من التكيف في النظام الدولي.
في الآونة الأخيرة، كانت العقوبات المفروضة على روسيا منذ شباط 2022 أكثر حدة وأقوى واتساعاً، وتهدف إلى شل الاقتصاد الروسي لفترة طويلة قادمة. وتشمل هذه العقوبات المتعلقة بالأفراد والكيانات، والخدمات المصرفية والمالية، والصادرات والواردات، والخدمات والتقنيات، مع التركيز على قطاعات مثل الطاقة (النفط والغاز والفحم، مع تدابير الحماية والإعفاء خاصة لدول الاتحاد الأوروبي الضعيفة)، الصلب والتعدين والزراعة.
اتخذت روسيا خطوات لتقليل الآلام الاقتصادية من خلال مجموعة من الإجراءات التي تشمل ضوابط رأس المال، ومنع الروس من تحويل العملة الصعبة إلى الخارج، وحظر الصادرات لبعض السلع والمواد الخام والمعدات، والتحول لدفع أثمان الغاز بالروبل، مع أنظمة دفع بديلة. كما فُرضت بعض العقوبات المضادة وخفضت إمدادات الغاز لبعض الدول الأوروبية.
نتج عن التفاعل المعقد بين العقوبات والعقوبات المضادة واسعة النطاق تأثير سلبي على النمو العالمي وأدى إلى ارتفاع التضخم في السلع والمواد الغذائية والطاقة والأسمدة، وتعطلت سلاسل التوريد في العديد من القطاعات. كانت أسواق العملات في حالة اضطراب، ومستويات الدين الوطني آخذة في الارتفاع، واحتياطيات النقد الأجنبي تتضاءل للعديد من الاقتصادات. اضطرت الحكومات وكذلك البنوك المركزية إلى اتخاذ إجراءات مالية ونقدية صارمة. ومع استمرار الحرب والعقوبات، تبدو التوقعات الاقتصادية العالمية قاتمة في الوقت الحالي.
حظيت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدعم كامل من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وانضم العديد من دول التحالف الغربي والدول الشريكة إلى نظام العقوبات ضد روسيا.
وقد أصدرت العديد من الدول بما في ذلك الصين والأرجنتين وجنوب إفريقيا والمكسيك وإندونيسيا وتركيا وصربيا بيانات عامة تشير إلى أنها لا تعتقد أن مثل هذه العقوبات يمكن أن تخدم أي غرض ولن تشارك فيها. واتخذ عدد آخر موقفاً محايداً ولم ينضموا للعقوبات دون بيان رسمي بذلك.
شوهد التأثير السلبي للحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية المصاحبة لها في أجزاء مختلفة من العالم، مما أثار مجموعة جديدة من التحديات، وينقسم الرأي العام العالمي حول وضع تصور للعقوبات الحديثة وتنفيذها. أدت العواقب غير المقصودة للعقوبات، خاصة بالنسبة لجنوب الكرة الأرضية والعالم النامي، إلى زيادة الدعوات لطريق إلى الأمام يمكّن من حل دبلوماسي وإنهاء العقوبات. وفي حين لا تزال هناك العديد من الشكوك الجيوسياسية، فإن التداعيات السلبية للعقوبات الاقتصادية والعقوبات المضادة تشير إلى بعض الاتجاهات التي من المحتمل أن تعيد تشكيل المشهد الجغرافي الاقتصادي.
المصدر: Observer Research Foundation