كلام عام خلصت إليه ورشة عمل (مصادر التمويل لقطاع الإسكان) لا يخرج عن كل ما سبقه من كلام وجمل تبدو في ظاهرها ذات أبعاد استراتيجية وتتضمن حلولاً واقعية لمشكلات السكن والإسكان التي أزمنت ولم تجد من يعالجها أو يضعها على سكة الصواب..، إلا أنها في الحقيقة غير قابلة للتطبيق العملي.
ففي وقت ذهب فيه المشاركون بالورشة للبحث في مشكلات السكن وارتفاع أسعار المواد الأولية والأراضي وانفلات أسعار العقارات، جاء من يتحدث عن ضرورة تقليص الفجوة بين الدخول وسعر العقارات من خلال رفع مستويات الدخل، بالتوازي مع السعي لضبط أسعار العقارات.
ولعلنا هنا أمام أحجية باتت مصدراً للفكاهة والتندر، فعن أي دخل يتحدث هؤلاء، ومهما جرى تحسين الدخل وخاصة للشرائح الضعيفة، فهل سيصل ذلك التحسين إلى مستويات تمكن أصحاب الدخل الضعيف من اقتناء مسكن؟؟؟، ثم من هو القادر اليوم على ضبط أسعار العقارات، وما هي الآلية الممكن الاستناد إليها في هذا المسعى، و….
ولعل المقترح الآخر الذي تحدث عنه بعض المشاركين وهو إحداث صناديق استثمارية مساهمة عامة لمنح التمويل العقاري، وهنا نتوقف أيضاً للسؤال عن الإمكانات المادية التي يجب أن تتوافر لتلك الصناديق الاستثمارية حتى تتمكن من القيام بدورها التمويل، خاصة وأننا نعلم أن بناء منزل ريفي صغير يتطلب اليوم عشرات الملايين من الليرات ثمن مواد أولية فقط، في ضوء ارتفاع أسعار الإسمنت وحديد البناء فقط، فكيف إذا ذهبنا للحديث عن مواد الإكساء والتمديدات و… وصولاً إلى أجور اليد العاملة التي باتت تكلف أكثر من قيمة المواد الأولية…!!!.
اليوم لم يعد البحث في قضية السكن والإسكان بالأمر السهل والممكن فأي خطوة في هذا الاتجاه وخاصة عند الحديث عن تأمين مصادر لتمويل النشاط العقاري فإنها تتطلب رصد أموال طائلة، وبمقابل ذلك فإن أي سعي لفتح سقوف الإقراض المصرفي لتمويل النشاط السكني والعقاري لن يصل إلى الحد الأدنى المطلوب للمباشرة ببناء مسكن لأن المصارف مهما امتلكت من قدرات وسيولة فإنها لن تكون قادرة على تلبية الطلب المرتفع في هذا الاتجاه، إضافة إلى أن نظام عمليات المصارف الحالي يضع اشتراطات غير مناسبة للكثير من أصحاب الدخل الضعيف التي خرجت من منظومة الاقتراض المصرفي ولم تستفد من بعض المزايا التي تمنحها المصارف لهذه القروض، وخاصة لجهة الكفالات العقارية الكبيرة وأحياناً اشتراط توفر سجل تجاري أو صناعي أو غير ذلك.
هذا الأمر يستدعي بالضرورة الخروج من هذه الدائرة لدى مناقشة وبحث سبل معالجة قضايا السكن والإسكان والتمويل العقاري واجتراح حلول تتناسب مع الواقع الحالي الذي لم يعد ينسجم مع كل ما يقدم من طروحات تقليدية…!!!.