أجواء التوتر بين الصين والولايات المتحدة ترتفع حدتها على خلفية الزيارة المرتقبة لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان خلال الشهر القادم، إذ تعتبر بكين الزيارة انتهاكاً خطيراً لمبدأ “صين واحدة”، ولوحت برد عسكري لمنع هذه الزيارة، في حين تتمسك بيلوسي حتى الآن بموقفها بإجراء الزيارة لإظهار دعم واشنطن لانفصال تايوان عن وطنها الأم.
بغض النظر عن تنفيذ بيلوسي لزيارتها أم إلغائها أو تأجيلها تحت وطأة الضغوط الصينية، فإن الهدف الأميركي من وراء هذا الاستفزاز الجديد هو الدفع نحو عسكرة الأوضاع في مضيق تايوان لزيادة الضغوط على بكين وتطويقها، وهذا ما تفسره الأنباء الواردة بأن الجيش الأميركي سينشر قوات إضافية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بحال سافرت بيلوسي إلى تايوان، ما يعني أن الترويج الأميركي لهذه الزيارة رغم معارضة الصين الشديدة، هدفه إيجاد الذرائع لتعزيز الترسانة العسكرية الأميركية في تلك المنطقة، وقد سبق لبايدن أن أكد في وقت سابق بأن إدارته مستعدة لتدخل عسكري من أجل حماية تايون مما سماه أي هجوم صيني محتمل.
الولايات المتحدة سبق أن وضعت الصين إلى جانب روسيا في قائمة ألد أعدائها، وبأنهما يشكلان خطرا استراتيجياً عليها، ومن هنا فإن مواصلة البيت الأبيض في اللعب بورقة تايون يشير بشكل واضح إلى وجود نزعة أميركية بتأجيج التوتر مع الصين، حتى لو أدى ذلك لإشعال فتيل الحرب العسكرية بين الجانبين، إذ تمثل مسألة كبح قوة الدور الصيني المتصاعد واحتوائه، الهدف الأبرز في مفهوم الإستراتيجية الأميركية كأحد السبل للحفاظ على هيمنة القطبية الأحادية التي تتزعمها واشنطن، والتي بدأت بالأفول تدريجياً في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة نحو ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب، تقوده روسيا والصين وإلى جانبهما الدول الحليفة الرافضة لنهج الهيمنة الأميركية والغربية.
واضح أن الولايات المتحدة تتصرف اليوم كالوحش الجريح على الساحة الدولية، على إثر إخفاقاتها السياسية والعسكرية في أكثر من مكان، وربما تأكيد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأن الولايات المتحدة “تركع على ركبتيها وتتعرض لإذلال تلو آخر على المسرح العالمي”، يقدم دليلاً آخر بأن سياسة التصعيد التي تمارسها الولايات المتحدة ضد الصين وروسيا لا يمكن تفسيرها سوى أنها من باب الصراع من أجل الحفاظ على نفوذها العالمي، وهي ترى في جرهما إلى حرب عسكرية قد يكون مخرجاً لها، ويعيد الاعتبار إلى مكانتها وقيادتها الأحادية للعالم، ولكن بكل تأكيد فإن دفعها المستميت نحو عسكرة العالم لن يعيد إليها هيبتها المحطمة.