ومن تصاريف حياتنا يوم عانينا ذاك الفقر الأسود وكنا اعتقدنا أن لا عودة له، حتى غدت راياته قادمة لا تخطئها عين، نسيان النظافة والاستغناء عنها بالتحدي!.
كنا نتحدى القمل والبراغيث والجرذان والفئران .. وكل منتجات الأوساخ التي تلحق بالجسد البشري بشيء من ماء وما لا يذكر من صوابين أو نباتات نستخدمها لتعزيز فرص النظافة وتحقيق النصر على جحافل تلك الكائنات التي ذكرناها وما نسيناه منها و ما هو منظور أو غير منظور.
لم يكن في أي بيت ما يسمى حماماً .. السترة وفقط .. “طنجرة” كبيرة من ماء ساخن تقريباً .. أو “دست” .. و”طشت” ولوح صابون يتحدى الحك والماء ويبخل برغوته.. وكمية من الماء تنقل من النهر بصفائح تنك أو جرار الفخار على ظهور الدواب .. أو أكتاف النساء .. بضعة كيلو مترات تسلقاً .. من أعماق النهر الجميل الذي قضوا عليه بالصرف ” اللاصحي ” إلى بيوت القرية.
أما غسيل الألبسة والشراشف والأغطية والمناشف “ولا حاجة للمناشف .. كنا نتنشف بتبخير قطرات الماء عن أجسادنا ..شاءت أم أبت .. ” فكان يضني حياة النساء بجد.. وكنَّ يستخدمن المخابط الخشبية لفكفكة الأوساخ المتراكمة.. المتيبسة غالباً .. على تلك الألبسة والقمائش!!
كان الغسيل في الشتاء أعمالاً شاقة بجد .. حتى إذا حل الصيف .. تعلمت النساء أن يحملن رزم الثياب المتسخة إلى النهر .. فيفترشن أحجاره وحصاه البيضاء الناعمة .. وكان لهن موقع محدد للغسيل يضرمن فيه النيران لتسخين الماء وغسل الملابس .. وكان المكان محظوراً على الرجال .. فمن اضطر غير باغ أو مستبيح ، استلزمه التنبيه والنداء على السيدات بوجوب الاحتشام .. والتستر ..
كان غسيل الملابس في النهر يستوجب النهار كله .. ويختتم بأن تنال السيدات كل منهن حماماً في الهواء الطلق … منتقية زاوية خلف صخرة أو شجرة لم يكن يستحيل على الرجال الباغين ” البصبصة ” من بعيد عليها .. لكنه كان عملاً منبوذاً يجلب البهدلة والقتلة غالباً ..
أتراه لو عاد اليوم غسيل الملابس والحمام في المرحوم النهر .. ستكون البصبصة على الغسالات البشرية مستوجباً هذا الرفض الاجتماعي القطعي؟!
ما العمل إن اضطررنا بسبب فقدان الكهرباء والماء ووسائل النظافة الأخرى إلى الخروج قاصدين النهر لغسل الملابس .. و ربما الأجسام أيضاً..
ربما لن نصل هذه الحالة رغم بؤسنا الراهن الشديد..
إن حصل!! .. لا أعتقد أن السيدات سيتصدين لتلك المهمات الخطيرة.. ولا بد من أن يقوم بها الرجال … لكن ..
أين النهر ؟!
As.abboud@gmail.com