من اللحظات الأولى التي أصبحت فيها الثورة الرقمية مكوّناً أساسياً في حياتنا، بدأت التنبؤات والدراسات بأن عصر الكتابة باليد وعصر الورق شارف على الزوال نظراً لما تقدمه الثورة الرقمية المتمثلة باستخدام الطباعة على الكمبيوتر وغيره من الأجهزة الإلكترونية، فرصة أكبر لكتابة كلمات أكثر مما تفعله الكتابة بالقلم.
من المعروف أن الهدف من التعليم العام هو تهيئة الطلاب ليصبحوا بالغين ناجحين، وقابلين للتوظيف في سوق العمل، وبناءً على ذلك، فإن الطباعة “ودون قابلية للجدل، أنجح عملياً من الكتابة”- يقول أنصار الطباعة، ولذلك فهم يطالبون باستبدال تعليم الطلاب في المدارس الكتابة، بتعليمهم الطباعة بشكل أسرع وأكثر إتقاناً.
وعلى الرغم من بقاء السيادة للكتابة، كوسيلة التدوين الأولى، إلا أن الثورة الرقمية، التي نعاصرها، بدأت تهدد تلك السيادة. فانتشار الكمبيوترات، والهواتف الذكية، والإنترنت، الذي قدّم خدمتين أساسيتين هما البريد الإلكتروني والتدوين، وأدى إلى إلغاء أشكال كثيرة من الكتابة، مثل الرسائل الورقية، كل ذلك جعل الطباعة أكثر رواجاً من الكتابة باليد بشكل كبير، وأضحت الكتابة، برأي الكثير، مجرد ضرورة تعليمية أكاديمية، وموضة قديمة يتمسك بها البعض، كشكل من أشكال الهواية.
لا يمكن نكران الخدمات العظيمة التي تقدِّمها الثورة الرقمية، ابتداءً من النصوص التفاعلية، التي تتيح للجميع تعديل النص، وبناء نص متكامل، أو إمكانية التعديل على كتاباتك الخاصة من عدة أجهزة، أو خفة هذه الأجهزة مقارنة بالكتب. ولكن هل ستكون هذه المميزات سبباً لتهديد مكانة الكتابة بشكل كامل؟ أو تهديد مكانة الكتب الورقية بالكتب الإلكترونية أو الصوتية؟- يقول أنصار الكتابة باليد – فالكتاب الإلكتروني، الذي يتوجّب الاطلاع عليه من خلال شاشة الكمبيوتر، لا حظوظ كبيرة لنجاحه؛ والأوراق ضرورية للتأمل في النص، وماذا عن الكتب التي نحب قراءتها في السرير قبل النوم؟ أو تلك التي يحلو لنا تصفحها في حضن كرسينا الهزاز الأثير؟ هذا يؤكد أن الكتب لن تختفي.
في النهاية، لا يمكن التنبؤ بموت الكتابة بشكل كامل، ولا استبدال مكانتها بالطباعة، وعلى أكثر تقدير، ستسير الطباعة والكتابة باليد جنباً إلى جنب، فترة أخرى من الزمن بالتوازي. وسيكون لكل قارئ وكاتب، اختيار الشكل الذي يناسبه طباعة أو باليد.