عقوق مقصود

الملحق الثقافي- فاتن دعبول:

رغم الجهود التي تبذل من أجل الحفاظ على اللغة العربية وحمايتها من التشويه، نجد في الجانب الآخر من لا يعير هذه اللغة الاهتمام الذي يقيها شرور العولمة والغزو الثقافي ومحاولات طمس معالمها، أو استبدال ألفاظها بما لا يمت لها بصلة.
وللأسف تجد اللغة العربية الكثير من عقوق أبناء جلدتها وإهمالهم لها، ظناً منهم أنها لا تواكب متطلبات الحضارة واحتياجاتها، فيهجرونها إلى غير لغة، متناسين أن اللغة العربية تمثل جزءاً من هويتهم العروبية، بل ربما هي الهوية عينها، أو ليست هي من دوّن حضارتهم وحمل إرثهم، وكانت الوعاء الذي تصب فيه علومهم وعصارة فكر أجدادهم وأمجاد أبطالهم ووقائع انتصاراتهم؟
واليوم ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت مشكلات جديدة تمس هذه اللغة في غير منحى يؤثر على انتشارها من جهة، ومن جهة أخرى نجد طريقة مختلفة في استخدامها، طريقة لا تمت إلى قواعدها بصلة، فليس هناك ضوابط لقواعدها، ولا مراعاة للأخطاء الإملائية، فنجد الكتابة كيفما اتفق، حتى لنعجب من بعض الكلمات وتجرؤ أصحابها على ضرب الحائط بكل أساسيات اللغة من» قواعد وإملاء».
ولا يكتفي البعض بإهمال لغتهم، بل يعمدون إلى خلق لغة جديدة لا تلتزم بقواعد العربية، وهذا يشمل أمرين اثنين، الأول ظهور لغة هجينة بين العربية والانجليزية، وبين الأحرف والأرقام، وهو ما اصطلح عليه» العربزي»، والأمر الثاني هو ظهور لغة مختصرة بحيث يتم إسقاط عدد من حروف الكلمة الواحدة كما هو الحال مع حروف الجر وحروف النداء.
وفي عهد منصات التواصل الاجتماعي والغزو الشبابي وغير الشبابي لها، نجد هذه التجاوزات في استخدام اللغة العربية، ضاربين عرض الحائط بقواعدها وبديهيات الإملاء، والخطورة تكمن في تداول هذه اللغة دون إجراء احترازي أو إذن مسبق، فيكتب أحدهم تغريدة أو كلمات مصاحبة لصورة، فينقلها آخر، ويتبادلها المئات، ثم يتشاركها آلاف وملايين.
ورغم توجيه الكثير من التحذيرات والانتقاد الحاد أحياناً لنوعية اللغة العربية التي يستخدمونها، لكن هذا لم ينل من عزيمتهم العنكبوتية العربية منزوعة القواعد أو حماستهم التواصلية البعيدة عن الصرف والنحو كل الابتعاد، ورغم عشرات الأصوات التي ملأت الفضاءات الإعلامية والأكاديمية بتحذيرات عن قرب اختفاء العربية وضياع الهوية، ولكن يبدو الآذان تصم تجاه هذه النداءات التي تستصرخ ضمائرهم لأجل المحافظة على لغتهم من الضياع.
ولا يخفى على أحد الدور الكبير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الفرد والمجتمع، فهي تكوّن رأياً عاماً تجاه قضية من القضايا كما يمكنها أن ترتقي بالإنسان معرفياً وتربوياً ولغوياً إذا أحسن الفرد استخدامها، وعلى النقيض من ذلك كله، فقد تكون ذات تأثير سلبي إذا أصبحت أداة لإفساد الذوق العام واللسان واستلاب الهوية الثقافية، وشيوع الأخطاء المتمثلة في النحو والإملاء والتراكيب الركيكة وغير ذلك مما يقلق أهل الغيرة ومما يؤدي إلى توجه لغوي متدن، خاصة لدى فئة الشباب الذين هم أكثر رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وربما ليست وحدها مواقع التواصل الاجتماعي التي تتحمل ضعف اللغة عند الشباب، بل يساهم في ذلك الضعف في طريقة تدريس مناهج اللغة العربية للشباب منذ الصفوف الأولى، أو ربما الأستاذ غير المتخصص في مواد اللغة العربية، ما يؤدي إلى إنتاج طلاب لا يتقنون هذه اللغة.
فاللغة العربي وكما يذكر الرافعي» كالكائن الحي تنمو من باطنها بما أتيح لها من عوامل نموها المستمر مع بقائها متميزة في أصلها، ومن ضروب نموها» الإبدال والقلب والاشتراك والترادف والتضاد والتوليد وغيرها .. فهذه الضروب المتنوعة من النمو، تحدد في جملتها أجزاء اللغة، وتصف تاريخ اتساعهم فيها ..
لغتنا العربية لغة واسعة وجميلة، وبالمقابل فإن جميع وسائل التواصل الاجتماعي كسرت الحواجز، فإذا لم نحترم لغة الضاد فيما نكتبه في هذه الوسائل، فلن يحترمه غيرنا، وإن أسقطناها من فكرنا ولساننا فلن يرفعها أحد.
وإننا إذ نتحدث عن اللغة العربية التي كانت لغة العلوم لقرون مضت، وتأسست عليها النهضة الحضارية والعلمية الحديثة باعتراف القاصي والداني، فإننا نعني اللغة العربية الفصحى التي حفظت من الاندثار بفضل التراث الإسلامي الزاخر، بدءاً من القرآن الكريم، مروراً بالميراث العلمي الذي خطه العرب على مدى قرون مضت، وهو الآن كنز زاخر تكتنز به المكتبة العربية، ويرجع إليه الباحثون، وهو ما يجعل اللغة العربية لغة عالمية بامتياز، تستخدم على نطاق واسع في الجامعات ووسائل الإعلام والمنصات والمؤتمرات والخطابات الرسمية.
إلا أن سيطرتها على منصات التواصل الاجتماعي تضاءلت في زحمة اللهجات المحلية الخاصة بكل بلد، وهو ما جعلنا ندق ناقوس الخطر للتنبه حول ضرورة العمل من أجل حماية اللغة وصونها، عن طريق بعض المبادرات والمسابقات لربط الناشئة بلغتهم الأم وإعادة العربية الفصحى إلى تألقها، وإظهار اللآلىء والجماليات التي غابت على الكثير من الناطقين بالعربية في زحمة اللهجات واللغات الأخرى.
وحتى لا نغرق في التشاؤم، يمكن القول أن اللغة هي كائن حي يعتريه ما يعتري أي كائن من عوارض المرض والشيخوخة والموت، وكذلك هي خاضعة لتقلبات الزمن نتيجة التطورات والمستجدات التي تحل على المجتمعات، ولكن بوجود الغيورين على لغتهم والحريصين على تحقيق انتشارها بكل ما تحمله من ميزات لغوية صحيحة، لابد من الوصول إلى نتائج تحسم لصالح العربية الصحيحة.
ومن هذا الواقع السوداوي لما تتعرض له اللغة العربية من تشويه، يبزغ لدى البعض بريق أمل لأجل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تلك في خلق منصات تنادي للمحافظة على اللغة العربية، فهناك العديد من التطبيقات الإلكترونية توجه نحو الاستخدام الصحيح للغة، والوقوف عند الأخطاء الشائعة بأسلوب شائق يجذب زائري المنصات تلك.
وتوقف بعض باحثي اللغة عند مقترحات عديدة ربما تساهم في صيانة اللغة العربية وحفظها من التشرذم والتشويه، ومن هذه الاقتراحات ضرورة توعية الشباب والأطفال بكيفية الاستعمال العقلاني والإيجابي، حتى تصبح الشبكات الاجتماعية أداة للبناء، وليس وسيلة للهدم، وأداة للتثقيف والاستفادة، وليس لتضييع الوقت والانسلاخ والابتعاد عن مبادئ اللغة الأم.
والتوجه أيضاً إلى الطلبة منهجياً وأكاديمياً لطريقة التعامل مع تقنية الانترنيت، وهو الأمر المنوط بالمدارس والجامعات من خلال تنظيمها دورات توعوية ترسخ لديهم أهمية لغتهم وضرورة الحفاظ عليها.
ومن الأهمية بمكان تكوين لجان على» الفيسبوك» تحت عناوين جذابة تحفز على استخدام اللغة العربية في الكتابة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتخصيص جوائز لمن يمتثل للكتابة بلغة عربية سليمة.
وفي بحثه» العربزي ظاهرة خطرة على لغتنا العربية» من كتاب» قضايا راهنة للغة العربية» يخلص الدكتور محمود السيد إلى نقاط عديدة تناولها بحثه وهي أولاً: أن اللغة العربية في عصر المعلومات هي الوجود ذاته، هذا الوجود مرتبطاً بثقل الوجود اللغوي على شابكة» الإنترنت» في عصر العلوم والتقانة المعلوماتية.
ويبين بدوره أن العربيزية وهي كلمة منحوتة من العربية والإنكليزية، أو الفرانكو آراب، وهناك من وصفها باللغة الفيسبوكية، وهي لغة غير رسمية ظهرت منذ عدة سنوات، يستخدمها الشباب والشابات في الكتابة عبر الدردشة على مواقع الشابكة، أو وسائل مواقع التواصل الاجتماعي، وتختلط فيها الأحرف اللاتينية بالأرقام، وهي لغة هجينة بين اللغة العربية واللغة الإنكليزية وغير محدودة القواعد.
وهذه اللغة يرى الدكتور السيد ليس لها قواعد، وهي تشهد يومياً تعبيرات واختصارات جديدة، ولم يعد استخدامها مقتصراً على مواقع التواصل الاجتماعي، بل شقت طرقها إلى النظام التعليمي حتى أن بعض التلاميذ استخدموا الحرف اللاتيني في موضوعاتهم الإنشائية في بعض المدارس.
ويؤكد في كتابة ضرورة وجود مبادرات للحد من استشراء العربيزي، ووضع سياسة لغوية في كل قطر عربي، تحدد السبل الكفيلة بالارتقاء بالواقع اللغوي استئناساً بالسياسة اللغوية على الصعيد القومي التي أنجزتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وإصدار تشريعات وقوانين لحماية اللغة العربية والحؤول دون استخدام اللهجات العامية والهجين اللغوي في البرامج الثقافية والإعلامية.
هذا إلى جانب تكثيف البرامج الرامية إلى التوعية اللغوية بالدور القومي للغة، وتعزيز المحتوى الرقمي على الشابكة وتقوية المرجعية الرقمية والعلمية للغة العربية، والتركيز على دور وسائل الإعلام في الالتزام بالعربية الفصيحة السهلة والميسرة، وتحديث المنظومة التربوية بتطوير المناهج لتواكب عصر الحداثة.
وأخيراً لابد أن نؤكد أن اللغة هي التي تشكل الفكر، فكرنا، وليست لنا لغة إلا تلك التي ورثناها، لغة قابلة للتطور من جيل إلى جيل، ولكنها تظل اللغة العربية الفصحى بعبقريتها المتفردة. 

العدد 1106 – 9- 8-2022

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة