الثورة – أيمن الحرفي:
بينما تنتقل من منزلك إلى مكان عملك أو جامعتك تتراءى لك صور من المجتمع كصورة بصرية عما يحدث صور فيها الفرح و صور فيها ما يشير إلى الحزن أو الفقر وصور فيها بين هذا و ذاك .. لكن ما يلفت نظرك صورة طفلة تمسك يبد عجوز تساعدها في عبور الشارع أو صورة فتى يحمل الحاجات عن كبير في السن و قد رسمت سنين العمر آثار التعب و الشقاء، وهناك من يسأل عن عنوان و أحدهم يشرح له الطريق الأنسب لذلك العنوان .. أما ما أثار اهتمامي فهو مشاهدتي لشرطي شاب أسمر و هو يكلم سائق قبل أن يقف في مكان ممنوع و يشرح له بكل لطف عدم جواز وقوفه هنا و وجود مكان لوقوفه بشكل آمن و مسموح ، يعامل المارة و السائقين بكل لطف ورقة ..
تقدمت منه و شكرته على دماثة أخلاقه ولطف معاملته ، فاستغرب من شكري له و قال هذا واجبي، و تابع عمله مراقبا مفارق الطرق ، رجعت إليه و قلت له أنت تذكرني بشرطي بقي حوالي ثلاثة عقود بجانب وزارة التربية يمارس عمله بكل تفان و إخلاص و يعرفه كل القاطنين بمحيط الوزارة، لا بل يعرفه كل سائقي باصات المهاجرين و حتى الركاب و قد افتقدوه منذ أيام من مكان عمله ، فضحك مسرورا مزهوا بحديثي ذلك لأن من أتحدث عنه هو والده ، قالها بفخر : إنه والدي و قد تقاعد منذ أيام ، و هو الآن في المنزل مع ذكرياته الجميلة التي تركها مع كل من عرفه فهو لم يخالف أحدا و لم يزعج إنسانا و مع ذلك كان محافظا على النظام و مطبقا للقانون و لكن بروح الأخلاق العالية و الكلمة الطيبة، حقا على هذا الشرطي الشاب علي الدندل ان يفتخر بوالده الذي أحسن تربية اولاده فابنه علي شرطي يتابع مسيرة والده في تطبيق القانون بكل لطف و رقة ، و ابنه دكتور مهندس معيد في جامعة الهمك، و ابنته صيدلانية ، و كم كان جميلا لو كرم من وزارة التربية نتيجة تواجده لأكثر من ثلاثة عقود تكريما يليق بهذا الإنسان الراقي و النبيل ، هذه الأمثلة من بلدنا ليست نادرة بل هناك الكثير من النماذج الشريفة و المخلصة التي تعمل بصمت وبإخلاص .
فبالأمس و أنا أعبر الشارع لفت انتباهي عند تقاطع موقف أفران ابن العميد مع الطريق الواصل إلى مشفى ابن النفيس وجود شرطي شاب يحمل أشياء خاصة لامرأة عجوز و هو يعبر بها الشارع و تقاسيم الفرح و السرور بادية عليها .. و قد كتبت سابقا عن شاب يعمل مستخدما في إحدى دوائر الدولة و قد وجد حقيبة تحمل مالا كثيرا و أعاده لصاحبه ، و سائق سيارة أجرة وجد أيضا حقيبة مليئة بالمال و أعادها لصاحبها و قد كرمته وزارة الداخلية هذه غيض من فيض و أمثلة كثيرة عن أخلاقنا و أمانتنا .
هذا هو شعبنا و هذه هي أخلاقنا وتلك هي عاداتنا التي تلقفناها من آبائنا و أجدادنا و ليس ذلك غريبا على أمة أنارت العالم بعلمها و علومها و علمائها و لقنت العالم ألف باء أبجدية الحضارة الإنسانية على مر العصور .يمكن للإنسان أن يدخل قلوب الآخرين دون أن ينطق بكلمة واحدة ، إذ يكفيه سلوكه الناطق بالصفات الكريمة والأخلاق الحميدة فالأخلاق شجرة تنمو وتترعرع كلّما سقيت بماء المحبة و الوفاء، وهي نجمة تزهو و تتألق في سماء الأُخوة والصفاء، وهي جسر ترسو عليه سفن المحبة و الوفاء.

السابق
التالي