الثورة – لميس عودة:
على وقع أزمة نقص موارد الطاقة الحادة التي تعصف بأوروبا، ومع ازدياد شدة الضغط الاقتصادي وتنامي التضخم لمستويات عالية، والتي باتت تعانيه دول غربية تابعة لأميركا، خرج جوزيب بوريل مفوض الأمن والخارجية في الاتحاد الأوروبي ليخفف وطأة المعاناة الحالية والمرتقبة في الأشهر القادمة، محاولاً ترقيع ثقوب الخيبات وترميم ما أحدثته رعونة الانسياق بحبل التبعية الأميركية، وما خلفته السياسات الطائشة من انهيارات في الاقتصاد الأوروبي وتفاقم فاقة المواطنين الأوروبيين.
بوريل الذي حاول تقديم جرعة مهدئات منزوعة الفائدة على أطباق الوهم للأوربيين الذين زاد سخطهم واستياؤهم وتعددت احتجاجاتهم على الواقع المزري الذي يعانونه نتيجة العقوبات العقيمة المفروضة على موسكو والتي ارتدت وبالاً اقتصادياً عليهم وصفعت قدراتهم على الاحتمال، بوريل تفوه بالحقيقة ناقصة عندما قال إن الأوروبيين يعانون من شبح عوز الموارد الذي بدأ يلقي بظلاله على سبل حياتهم ويخنق إمكانيات تحملهم في شتاء منتظر بات على الأبواب، ولكنه وارب وخادع ولم يعترف بحقيقة أن ما أوصل الأمور للانفجار هو القرارات المسيسة التي تم ارتجالها أوروبياً، فقط لمحاباة واشنطن من دون دراسة جدواها الفعلية في حصار روسيا والنيل من اقتصادها المتين.
في جلبة ادعاءات بوريل وحملات التضليل الإعلامي التي يقودها لإقناع الأوروبيين بنجاعة القرارات الحمقاء التي تم اتخاذها من دول الاتحاد الأوروبي ومطالبته للمواطنين بالصمود في وجه رياح الشتاء القارس العاتية، وسط كل ذلك لا تنفع الأوروبيين وصفات بوريل سريعة التحضير في مختبرات الرياء وغباء السياسات الأوروبية، وما شاهدناه من تظاهرات احتجاجية في ألمانيا يؤكد أن العصف الاحتجاجي والاحتياجي لموارد الطاقة للمواطنين الأوروبيين بات يشد طوق الخناق على أعناق حكام وساسة أوروبا، ويدخلهم بدهاليز معتمة يغيب عنها نور المنطق وإدراك أن الاستمرار في الحماقات المرتكبة سيوسع شرخ الاحتجاج ولن يردم هوة الأزمات بل سيعمقها أكثر.
لم يجرؤ بوريل في تصريحاته التي أدلى بها أن يوصف أسباب المعاناة الحقيقية، ولم يستطع الإشارة إلى أن الجنوح للهيمنة الاستعمارية من قبل واشنطن وحلفها الأطلسي العدواني ومحاولات التضييق على روسيا بتهديد أمنها الاستراتيجي والانخراط الأعمى في لعبة الشرور الأميركية هو ما قاد الأمور لما هي عليه الآن.
إذا لم تكن مكاشفة بالأخطاء القاتلة ما أدلى به بوريل، بل قفز في الهواء فوق تلال الأزمات من دون تذليلها أو الرجوع إلى جادة الصواب الدبلوماسي ونزع فتيل الأزمة وعدم الشد على أيدي نظام كييف والاستثمار بالخراب الذي طال بداية الدول التي نفخت في جمرات الحرب الأوكرانية.