الكثير من عمليات المد والجزر، ما زالت ترافق مفاوضات فيينا في مراحلها الأخيرة نحو إنجاز اتفاق بشأن العودة إلى الاتفاق النووي وإلغاء الحظر على إيران، ويلاحظ أن العامل الإسرائيلي يشكل العائق الأكبر في هذه المرحلة من المفاوضات، وهذا يدل على أمرين اثنين، الأول هو مدى خضوع الأطراف الأوروبية إلى إملاءات الكيان الصهيوني، والثاني يشير إلى أن إدارة بايدن تنظر إلى مسودة الاتفاق بعيون إسرائيلية.
المعلومات والمعطيات الواردة تفيد بأن البنود الأساسية في الاتفاق قد أنجزت، وأن ما يمنع التوقيع عليه هو عدم امتلاك واشنطن الإرادة السياسية الكافية في العودة إلى الاتفاق، إذ ما زالت إدارة بايدن ترفض الاستجابة لمطلبين إيرانيين أساسيين، الأول يتعلق بالضمانات، والثاني إغلاق ملف المزاعم المفبركة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تقوم أساساً على ادعاءات إسرائيلية كاذبة، وعملية التسويف والمماطلة الأميركية تؤكد أن إدارة بايدن تسعى لحرمان إيران من الفوائد المترتبة على الاتفاق، وتحميلها مسؤولية عدم التوصل لاتفاق تحت مزاعم وحجج واهية، إرضاء للكيان الإسرائيلي.
واضح أن الولايات المتحدة غير جادة في التوصل إلى اتفاق يجنب المنطقة كلها مخاطر التصعيد التي يحاول الكيان الصهيوني تأجيجها، فالهدف الأميركي من وراء مفاوضات فيينا، ليس العودة إلى الاتفاق نفسه، وإنما مواصلة سياسة الضغوط القصوى ضد طهران لتحصيل تنازلات منها، واستجرارها لمناقشة مسائل أخرى من خارج نطاق الاتفاق، وهو ما ترفضه بشكل قاطع، وهنا يأتي العامل الأوروبي المساعد لإبقاء إيران في دائرة الضغوط الأميركية، وبيان “الترويكا” الأوروبية الأخير، والمليء بالمغالطات، يثبت مجدداً أن الأوروبيين يستمرئون مسار التفريط بمصالحهم الوطنية لحساب المصلحة الأميركية والصهيونية، علماً أنهم أحوج لهذا الاتفاق اليوم، لاسيما في ظل ما تعانيه أوروبا من أزمة طاقة تهدد مجمعها الصناعي بالانهيار.
إيران مازالت متمسكة بنهج الحوار والدبلوماسية، متسلحة بقوة المنطق والحق المشروع، وجميع مقترحاتها حول مسودة الاتفاق كانت إيجابية بشهادة الجانبين الروسي والصيني، ويبقى على الجانبين الأميركي والأوروبي إبداء المرونة والجدية في حال أرادا التوصل إلى اتفاق، لاسيما أن الجانب الأميركي هو من انتهك الاتفاق سابقاً، وسلك تابعه الأوروبي الطريق ذاته فيما بعد، ومفاوضات فيينا هي فرصة حقيقية للغرب للإيفاء بتعهداته السابقة، خاصة أن جميع الضغوط السياسية والاقتصادية الغربية قد وصلت إلى ذروتها القصوى، ولكنها لم تنجح في ثني إيران عن التمسك بخطوطها الحمراء.