كتب المحرر السياسي ناصر منذر:
يصادف اليوم مرور 40 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في بيروت، بالتواطؤ مع مجموعات من ميليشيا “القوات اللبنانية” وما يسمى آنذاك “جيش لبنان الجنوبي”، وقد استمرت عملية تنفيذ المجزرة حوالي ثلاثة أيام، من ليلة 16 أيلول حتى الثامن عشر منه عام 1982، وراح ضحيتها بين 5000 و7000 شهيد من اللاجئين الفلسطينيين وفق ما أشارت إليه التقديرات.
تعد هذه المجزرة الشنيعة، واحدة من أكثر الفصول دموية في تاريخ الشعب الفلسطيني، إذ ما زالت ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين تزخر بالصور المروعة لهول تلك المذبحة، ومشاهد الذبح والقتل الجماعي لا تزال راسخة في أذهان من عاش منهم أحداث تلك الجريمة، والتي ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهي ما زالت مستمرة بحق الشعب الفلسطيني حتى اليوم، بتواطؤ أميركي وغربي، ووسط صمت دولي مريب، حيث لم تزل المنظمات والهيئات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن، عاجزة عن مساءلة ومحاسبة حكام الاحتلال الصهيوني لارتكابهم مثل تلك الجرائم.
المجزرة بدأت بعد أن طوق جيش الاحتلال الإسرائيلي بقيادة وزير الحرب آنذاك، السفاح أرئيل شارون، ورئيس هيئة الأركان لجيش الاحتلال رافائيل ايتان، واستخدمت فيها الأسلحة والثقيلة، وغيرها، في عمليات تصفية انتقامية لسكان مخيم صبرا وشاتيلا، بعيداً عن وسائل الإعلام، وتم إنزال المئات من جنود الاحتلال والمسلحين التابعين لميليشيات ما كان يسمى جيش لبنان الجنوبي، وميليشيات حزب الكتائب، ولم يكن في المخيم سوى الأطفال والشيوخ والنساء، وقام أولئك الإرهابيين بقتل النساء والأطفال، وكانت معظم الجثث ملقاه في شوارع المخيم، ومن ثم دخلت جرافات الاحتلال الإسرائيلي لجرف المخيم وهدم المنازل لإخفاء أثار الجريمة.
وفي وقت لاحق، أكدت وثائق سرية أن أميركا كانت على علم مسبق بوقوع المجزرة، ويرجح أن لها يداً بهذه المذبحة، حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عام 2012 عن وثائق سرية تظهر علم واشنطن بذلك، وأظهرت هذه الوثائق حواراً جرى بين كل من وزير الحرب الإسرائيلي شارون، ومبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط في ذلك الوقت موريس درابر، يظهر فيها تنسيقهما حول غض الطرف عن ارتكاب جنود الاحتلال والميليشيات العميلة، لهذه المجزرة.
مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن الجريمة الصهيونية الأولى بحق الشعب الفلسطيني، وليست الأخيرة، حيث تتواصل مجازر الاحتلال منذ لحظة اغتصاب فلسطين، وقد سبقها الكثير من المجازر التي ارتكبها جنود الاحتلال بدم بارد، في الطنطورة وقبية ودير ياسين، وبعدها مذبحة مخيم جنين ومجازر منسية أخرى بغزة والضفة، لكن مجزرة صبرا وشاتيلا تبقى لبشاعتها وظروفها علامة فارقة في الضمير الإنساني، ووصمة عار تلاحق كل من شارك بسفك تلك الدماء البريئة، وكل من تواطأ وسكت عن هذه الجريمة البشعة، وغيرها من الجرائم.