هل الكتاب الرائج جيد…؟

الملحق الثقافي- دلال إبراهيم:

خلال الموسم الأدبي الخريفي الممتد من منتصف شهر آب حتى منتصف شهر تشرين الأول تنتظر 490 رواية على رفوف المكتبات في فرنسا رأي لجنة التحكيم لاختيار الكتب التي تصنف في قائمة (أفضل المبيعات) وتتوجه إليها جوائز أدبية وفكرية رفيعة، وذلك في طقس تنفرد فيه فرنسا عن بقية دول العالم. يقابلها لدى الدول الانكلوساكسونية ظاهرة (البيست سيلر) أو (الأكثر مبيعاً). فهل تصنيف (الأفضل مبيعاً) أو الجوائز الأدبية هي علامة الجودة للكتاب؟ «ليس بالضرورة أن يتم قراءة الكتاب الذي حاز لقب أفضل المبيعات – تقول الناشرة فريديريك بوليه – وهذا ما يدعوه في الدول الأنجلو – ساكسونية (الكتاب الضجة) أي الكتاب الذي نرغب بشرائه لنكون ضمن التيار. بينما الكتاب المطلوب لفترة طويلة هو الكتاب الضجة أي الكتاب الذي يثمنه الجميع وينتشر بسرعة إلى حد أن إصداره ككتاب جيب يصبح له تأثير مضاعف». «لا يمكن تفسيره» هذا ما يعترف به الكاتب موريي باربيري أينما حل حين يُطرح عليه السؤال نفسه عن روايته (أناقة القنفذ) الصادرة عام 2006، ويتابع قائلاً عن الرواية التي أصبح رينيه الحارس فيها شهيراً بعد نقلها إلى السينما من قبل جوسيان بالاسكو»ربما لأنها تماشت مع أمور شائعة» وقد بيع من هذه الرواية 1,3 مليون نسخة. وإن أقسم الناشرون ويدهم على قلبهم أن هذا الكتاب سيكون معجزة، هذا لأنهم يعلمون أن لفن التسويق باعاً طويلاً في تلك القضايا.
على مر العصور شكلت الجوائز الأدبية موضع شكوك وانتقاد وتذمر، وكان يُشار بالبنان إلى تجاوزاتها وإدانة إلى تنازلاتها وسخرية من خياراتها. ويعتبرها الكثيرون مجرد آلة حرب في خدمة شهيات البعض القليل. أما الأدب فلم يستفد من مناوراتها. وساهمت في التركيز حول بعض العناوين على حساب البعض الآخر. باختصار تسهم الجوائز الأدبية في جذب الانتباه ولكن ليس دوماً نحو الأفضل.
ومع ذلك تكاثرت تلك الجوائز وتولّد بعضها من بعض، وفي أغلب الأحيان كانت ضد بعضها البعض، مثلاً في فرنسا جاءت جائزة فيمينا كرد على جائزة غونكور وجائزة ايديم رد على رينودو حتى أصبحت الجوائز في فرنسا أشبه بمؤسسة جمهورية، وواصلت مواسم الجوائز إغواء مواسم النشر. وكأن كل شيء بما فيه الشكوك غرضها تحريك آلة خلق الأحاسيس والانطباعات.
وفي بلد يتوق إلى التميّز مثل فرنسا، يمكن لأي كاتب فرانكوفوني أن يزعم أنه حصل على 2000جائزة. وأي كاتب يمكن أن يحلم بالجائزة حتى ولو كان متوسط نسبة إصداراته من الكتب قد تناقص منذ عشرة أعوام. ويبقى السؤال الأساسي المطروح هو: مهما كانت حسنات وسيئات هذه الجوائز، أليس هذا الكرنفال من الظل والنور الذي يحيط بتلك الجوائز يعتبر ورقة رابحة للحياة الأدبية في أي بلد ؟ إنها نوع من التراث المشترك يحمل الفائدة للجميع بمن فيهم غير المكرمين مباشرة.
ولا يثير الإعلان عن الجوائز الأدبية، مثل جائزة أوارد وبوليتزر الأميركيتين أو جائزة البوكر البريطانية هذا الهيجان والفوران كالذي يثيره الإعلان عن جائزة غونكور الفرنسية، نظراً لأنه مشهود لفرنسا أنها مترسخة بصفة (أمة أدبية) تقدس أدباءها. ويعزز الإعلان عن الجوائز تلك الخاصية التي ترتكز على أساس جذب الأنظار طقسياً نحو الكتب ومؤلفيهم وناشريهم.
وهؤلاء ينطلقون في اللعب على المواسم الأدبية، حيث يتناثر مد من الكتب في فرنسا خلال تلك الفترة الممتدة من منتصف آب حتى منتصف تشرين الأول على واجهات وطاولات المكتبات بحيث يمكن أن نقول عنها إنها صناعة حقيقية للكتاب، وحيوية لمهنة النشر. والظاهرتان ترتبطان ببعضهما بعضاً، الجوائز تتوقف على المواسم وهذه بدورها تتوقف على الجوائز. وضمن سياق اقتصادي صعب، يمكن أن يغير تكريم كتاب ما من مصيره، وفي هذا الصدد تعترف صاحبة دار ميركور في فرنسا قائلة «هذه الجوائز تضاعف من أرقام المبيعات بالنسبة للدور الصغيرة». أما مدير دار Seuil فيقول «تطرح هذه الجوائز في السباق كتب أكثر قيمة أدبية مقارنة بكتب أفضل المبيعات، ولولا تلك الجوائز ما كانت ستصل هذه الكتب إلى هذا الأرقام من المبيعات».
وتبدي لجان التحكيم للجوائز الأدبية في فرنسا الآن، اهتماماً خاصاً ينصب في تشريع اختيارها، نظراً للتهم التي ألصقت بها فيما مضى، فيما يتسم تقاسم الأمكنة بالسرية. ولكن يعترف مدير دار ستوك «لا شك بوجود ترتيبات ما، حيث يفضل بعض أعضاء اللجنة اختيار كتب لدور نشر كانت قد سبق ونشرت لهم» وعلى الدوام يتقاسم قالب الحلوى عدد محصور من الضيوف، نفس المجموعة ضمن مضمار السباق ونفس الناشرون الذين يتم تكريمهم».
إنما تتجاوز مهمة هذه الجوائز الإسقاطات المالية المباشرة، وهذا ما يتفق عليه الجميع. حيث تعطي مؤشرات هي دليل للناشرين الأجانب الباحثين في شراء الكتب (حينما يتعلق الأمر بكاتب غير معروف ولم تترجم أعماله) وكذلك للقراء التائهين بين هذا الكم الكبيرمن الكتب المطروحة. وبما أن أعضاء لجان التحكيم يعتبرون محترفين في القراءة، فإن أذواقهم في هذا الخصوص تعتبر مثل (علامة جودة)
ومهما كان فإن هذا النظام يُدخل عامل المتعة على الحياة الأدبية، مثل سيرك متنقل يمر مرة في العام على قرية هادئة. في الواقع، إن الجوائز تبعث وتُحرك الحياة الأدبية، ويصفها أحد الناشرون «هي لحظة يصبح فيها الكتاب مركزياً، كما لو أن حبنا للكتابة أصبح على نحو مفاجىء ممكن اطلاع الآخرين عليه بطريقة مدهشة.» أي إن كل شيء يتم من أجل إعطاء نكهة للأشياء، حتى ولو كانت اللجنة التي تخوض منافسة حامية فيما بينها تميل شيئاً فشيئاً نحو تمييز الكتاب، الذي سجل نسبة عالية من المبيعات لكي تكرس شهرته، الأمر الذي يثير الشكوك خلال نشر قائمة الترشيحات في الأسبوع الذي يسبق الإعلان عن اسم الكتاب الفائز بالجائزة. ويرى باتريك بيسون عضو لجنة رينودو في هذا الإجراء تعذيباً للكاتب والناشر. بينما لا تقاسمه الناشرة سابين ويزبيسر هذا الرأي التي ترى في تلك القائمة، ولا سيما قائمة جائزة غونكور موجهة للناشرين الأجانب ومثلهم للقراء والمكتبات.
وعلى الجانب الإيطالي اخترع ثلاثة من عشاق الأدب وهم البرتو كاسادي واندريا كورتيليسا وجويدو ماتسوني ما دعوه (التصنيفات النوعية) وهو نوع من الدليل الأحمر للأدب بالتعاون مع مهرجان pordedonelegge-dedalus الأدبي والذي يقام كل عام في بوردينوني بالقرب من مدينة البندقية، ويقدم قائمة بالعناوين المختارة من قبل لجنة التحكيم المكونة من الكتّاب والنقاد والفلاسفة والفنانين والمحررين. وجميع الكتب التي تظهر في هذا الترتيب تُعرض للبيع في متجر إلكتروني. وهذه بدورها تهدف إلى إحياء دور النشر الصغيرة والمتوسطة. «ليست كل الكتب الجيدة تصل إلى تصنيف (أفضل المبيعات) فمعظمها إن لم تكن كلها مدعومة بالدعاية والكلام الشفهي تختفي في العدم. هنا في متجرنا نختارالكتب المتميزة وفق معايير الجودة، والتي قام بنشرها صغار الناشرين» – إنه جيش الكتب البطيئة يستعد لمواجهة أكثر الكتب مبيعاً» يعلق اندريا كورتيليسا.
العدد 1112 – 20- 9-2022

آخر الأخبار
رئيس الهيئة المركزية للرقابة : لن نتوانى عن ملاحقة كل من يتجاوز على حقوق الدولة والمواطن   الرئيس الشرع: محاسبة مرتكبي مجازر الكيماوي حق لا يسقط بالتقادم   حشرات وعناكب بالألبان والأجبان   تشجيعاً للاستثمار .. محافظ درعا يتفقد آثار بصرى الشام برفقة مستثمر سعودي  إبراز المعالم الوقفية وتوثيقها في المحافل الدولية بالتعاون مع "الإيسيسكو" معرض دمشق الدولي..ذاكرة تتجدد نحو تنمية مستدامة  "خطوة خضراء لجمال مدينتنا".. حملة نظافة واسعة في كرناز 10 أطنان من الخبز... إنتاج مخبز بصرى الشام الآلي يومياً نداء استغاثة من مزارعي مصياف لحل مشكلة المكب المخالف قرابة  ١٠٠٠ شركة في معرض دمشق الدولي ..  رئيس اتحاد غرف التجارة:  منصة رائدة لعرض القدرات الإنتاجية تسهيلاً لخدمات الحجاج.. فرع لمديرية الحج والعمرة في حلب "الزراعة" تمضي نحو التحول الرقمي.. منصة إرشادية إلكترونية لخدمة المزارعين  اجتماع تنسيقي قبل إطلاق حملة "أبشري حوران "   مبادرة أهلية لتنظيف شوارع مدينة جاسم الدولرة تبتلع السوق.. والورقة الجديدة أمام اختبار الزمن السلوم لـ"الثورة": حدث اقتصادي وسياسي بامتيا... حاكم "المركزي"  يعلن خطة إصدار عملة جديدة بتقنيات حديثة لمكافحة التزوير عبد الباقي يدعو لحلول جذرية في السويداء ويحذر من مشاريع وهمية "الأشغال العامة".. مناقشة المخطط التنظيمي لمحافظة حماة وواقع السكن العشوائي "حمص خالية من الدراجات النارية ".. حملة حتى نهاية العام  محمد الأسعد  لـ "الثورة": عالم الآثار خالد الأسعد يردد "نخيل تدمر لن ينحني" ويُعدم واقفاً