الملحق الثقافي- فؤاد مسعد :
رغم اختلاف واقعها في كثير من الأحيان بين بلد عربي وآخر إلا أنها تتشارك في العديد من التحديات التي تواجهها وتعتبر قاسماً مشتركاً فيما بينها، إنه حال السينما العربية اليوم التي تقف في إطارها العام على مفترق طرق متحدية جملة من المصاعب والعقبات، لعل أهمها يتعلق بالجانب الاقتصادي بما في ذلك تكاليف العملية الإنتاجية والتوزيع والعرض، وصعوبات إيجاد التمويل اللازم والكافي، وافتقار غالبية الدول العربية إلى استديوهات مجهزة على نحو عالٍ لإنتاج الأفلام، ومن ومعوقات الإنتاج السينمائي قرصنة الأفلام مما يعني تكبّد المنتج السينمائي خسائر كبيرة، وآلية تعاطي الرقابات العربية مع المُنتج الإبداعي، والحاجة إلى التقنيات والتجهيزات الحديثة لمحاولة اللحاق بركب التطور خاصة فيما يتعلق بتقنيات الكمبيوتر والغرافيك والخدع، وانتشار المنصات الرقمية على الانترنيت التي شكّلت بديلاً مغرياً للجمهور أمام ارتفاع ثمن التذكرة السينمائية وسهولة مشاهدتها وطبيعة موضوعاتها وما تحمله من إبهار بصري، ومن التحديات الهامة أيضاً موضوع الهوية السينمائية الأمر الذي يتراوح من سينما إلى أخرى وتدخل فيه مجموعة من العناصر بما فيها التبعية للتمويل، وهناك ما شهده المشهد السينمائي العربي من تحولات وتغيرات أدت إلى توقف أو تأجيل مهرجانات ضخمة، والتداعيات التي نجمت عما عاناه هذا القطاع خلال جائحة كورونا وانزياح أوقات التصوير والعروض، ويضاف إلى هذه التحديات العديد من الصعوبات الخاصة المتعلقة بوضع السينما في كل بلد عربي على حدة.
ننطلق بداية في الحديث عن حال السينما السورية التي تحاول عبر ما تقدمه المؤسسة العامة للسينما المحافظة على حضورها عبر مجموعة من الأنشطة أبرزها إنتاج أفلام طويلة وقصيرة وأفلام هواة والسعي إلى تفعيل الحراك السينمائي والمشاركة في عدد محدد من المهرجانات، ولكن كثيرة هي التحديات التي تواجهها ومن أبرزها غياب القطاع الخاص عن الساحة إلا فيما ندر، وزادت الصعوبات حدة خلال فترة الحرب التي شنت على سورية، فلايزال مهرجان دمشق السينمائي الدولي غائباً منذ تعليق دورته التاسعة عشرة عام 2011، و شكّل الحصار المفروض سبباً هاماً في غياب أفلام سورية عن مهرجانات وتظاهرات سينمائية عالمية هامة كما انعكس سلباً على تحديث الصالات السينمائية ومدها بالتجهيزات اللازمة في مختلف المحافظات فباتت تقف عاجزة عن تلبية طلب الجمهور، وتأثر جذب الأفلام العالمية الهامة بالمقاطعة والعقوبات الجائرة، ومن التحديات أيضاً أهمية تفعيل حضور المكتبة الوطنية السينمائية (السينماتك) لتكون مركز إشعاع وتنوير سينمائي للمهتمين والباحثين، ويبقى هناك الكثير من الصعوبات ولكن مما لا شك فيه أن مواجهتها تحتاج إلى تضافر مختلف الجهود وإيجاد السبيل الأفضل لدخول القطاع الخاص الواعي والمثقف الذي يحمل هاجساً حقيقياً ليكون له حضوره في الحراك السينمائي، ليكتمل المشهد بين القطاعين الخاص والعام ويتم ترسيخ دعائم صناعة سينمائية حقيقية.
تعتبر مصر الأولى عربياً في الصناعة السينمائية، ولكن هذا لا يعني أن حال السينما فيها على أفضل وجه، فهناك الكثير من التحديات التي تعرقل هذا الحراك من أهمها طبيعة الأفلام التي بات يتم الترويج لإنتاجها تماشياً مع مفهوم (شباك التذاكر) الأمر الذي أخذ أبعاداً قد تسيء في أحد أوجهها لطبيعة الإنتاج السينمائي ككل حيث درجت أفلام المقاولات التي تعتمد على البلطجة والعنف والأكشن والمخدرات وما يُمكن أن يُدس فيها من مشاهد لجذب المتلقي بأي ثمن وتراجع مستوى الأفلام الكوميدية، وإن كانت هناك أفلام تسير عكس هذا التيار إلا أن عددها يبقى أقل بكثير، الأمر الذي انعكس سلباً على مكانة الفيلم وآلية توزيعه وشرائه لصالح المحطات الفضائية، وعلى صعيد آخر غاب عن عملية الإنتاج السينمائي أسماء هامة كان لها مكانتها المتميزة فيما كانت تُقدم من أفلام، كما تراجع تمويل الأعمال الهادفة والجادة، وما زاد من الطين بلة قرصنة الأفلام المصرية مما أثّر على عرضها وبيعها، ولا تتوقف المصاعب هنا وإنما تمتد إلى دور العرض، فرغم عددها المقبول نسبياً مقارنة بالدول العربية الأخرى إلا أن هناك محافظات تفتقر لها، واليوم هناك مناشدات من سينمائيين ونقاد مصريين لأن يكون هناك تدخلاً لصالح عودة السينما المصرية إلى مسارها ودعم التجارب الجادة والهادفة والهامة وتفعيل تشريعات وقوانين تضبط إيقاع عملية الإنتاج السينمائي.
أما في دول المغرب العربي فقد استطاع عدد من الأفلام المٌنتجة فيها الوصول إلى المهرجانات العالمية الكبرى، ويُحسب لهذه الدول تعدد المهرجانات السينمائية فيها، ولكن هذا لا يعني أن وضع السينما فيها بخير فهو يعيش تحديات على أكثر من صعيد، خاصة فيما يتعلق بضعف مصادر التمويل، مما جعل الكثير من الأفلام تُنجز بشراكة ودعم وتمويل أجنبي والذي غالباً ما يفرض شروطه بشكل أو بآخر بما يتلاءم مع أهدافه و رؤيته وتطلعاته ومواقفه، ما يخلق حالة من الجدلية بين إملاء الشروط وبلورة الهوية، فالجهات الأجنبية الممولة والداعمة كثيراً ما تأخذ أو تستبعد النصوص وفقاً لطبيعة الموضوعات المطروحة فيها، رغم أن هناك (على سبيل المثال) أعمالاً تونسية وصلت إلى العالمية بفضل دعم شركات الإنتاج الأجنبية، ويتأرجح ما يتم إنتاجه من أفلام بين الصيغة الفنية الجمالية والصيغة التجارية التي تطرح القضايا المثيرة والغريبة عن المجتمع فتسلط الضوء على استثناءات قليلة وأفعال نادرة وتصورها وكأنها القاعدة وبذلك يتم تغليب الجانب التجاري والمادي على الجانب الإبداعي والإنساني، ومن التحديات أيضاً غياب العديد من المنتجين الحقيقيين وتقلص عدد صالات العرض واستفحال مشكلة القرصنة التي تؤثر سلباً على المردودية.
الأمر نفسه نجده في السينما اللبنانية من ناحية صعوبات التمويل وقلة المنتجين واللجوء إلى التمويل الأجنبي ما يهدد هوية العمل ككل خاصة أن الأمر لا يقف عند التمويل فقط وإنما يتعداه هنا إلى الجمهور، فمع تراجع عدد الصالات وصغر السوق المحلي وعدم قدرته على تأمين العدد اللازم من المشاهدين لتغطية تكاليف الفيلم بات الجمهور في الخارج هو المستهدف من الفيلم المُنجز أصلاً بتمويل من صناديق أجنبية أو بشراكة غربية، وبالتالي يواجه هذا القطاع الذي مرّ بمراحل غير منتظمة الكثير من التحديات الاقتصادية والثقافية رغم تحقيق عدد من الأفلام اللبنانية حضور لافت في مهرجانات عالمية.
في حين تتشابه السينما الخليجية بالهموم والتحديات التي تواجهها بما فيها محدودية الأماكن الصالحة للتصوير وإشكالية التوزيع التي تعتبر معضلة رئيسية على الصعيدين المحلي والخارجي والحاجة إلى الدعم والاحتضان المادي والفني لتستطيع إنجاز أفلاماً يكون لها قاعدة جماهيرية محلية، أما السينما في العراق فرغم أنها تحقق إنجازات جيدة إلا أن هناك تحديات وعوائق تقف في وجهها، بما فيها مشكلة قلة عدد الصالات وتوزعها بين المحافظات، إضافة إلى التمويل والإنتاج ومحاولة اللجوء إلى تمويل خارجي لدعم الإنتاج.
العدد 1112 – 20- 9-2022