الولايات المتحدة تضفي بسياساتها المدمرة للأمن والسلم العالميين، المزيد من التشابك السياسي والعسكري على المشهد الدولي، ما يرفع من سخونة أجواء الحرب الباردة التي يعيشها العالم اليوم، والمهيأة للانفجار بأي لحظة، حيث تعاطيها مع مجريات الأحداث وتطوراتها، يعطي صورة واضحة عن حالة الإنكار للواقع الذي تعيشه الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية التي تسير في ركبها، ما يعكس مدى الإصرار الغربي على التمسك بقواعد الهيمنة التي أرستها نزعته العدوانية، وجنوحه الواضح نحو إعادة عهود الاستعمار والتبعية.
من باب مزاعم إصلاح الأمم المتحدة، تحاول واشنطن حشد حلفائها لإجراء تعديلات لإعادة تشكيل مجلس الأمن الدولي، كخطوة تمهيدية ترمي من ورائها إلى عزل روسيا، وسحب عضويتها الدائمة من المجلس، أو في الحد الأدنى حرمانها من حق النقض” الفيتو”، ومع أن تحقيق هذه الرغبة تعتبر مستحيلة لأنها تتصل بمسألة تعديل الميثاق الأممي وموافقة الدول الخمس الكبرى من ضمنها روسيا، إلا أن هذه المحاولة تعكس العجز الغربي الواضح عن احتواء الدور الروسي المتعاظم على الساحة الدولية، والذي يساهم إلى جانب دعم القوى الحليفة لروسيا، بإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد، على أساس التعددية القطبية، بما يكفل سيادة العدالة والمساواة بين كافة الدول.
الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن، تقع على عاتقها مسؤولية وقف التصعيد الخطير في العلاقات الدولية، والعام الماضي اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تلك الدول عقد قمة على مستوى الرؤساء لبحث الأوضاع العالمية، وفق ما تمليه الظروف الدولية المعقدة التي باتت تهدد الاستقرار والسلم العالمي، ووقتها أبدت ثلاث دول ترحيبها بالاقتراح، فيما كان الرد الأميركي والبريطاني موارباً، ليذهب الاقتراح الروسي أدراج الرياح، وهذا يعطي مدلولاً إضافياً على أن الدول الغربية (أميركا – بريطانيا – فرنسا) هي المسبب الرئيسي لكل المشكلات الأمنية التي تؤجج الصراعات الإقليمية والدولية، إذ لم تبد أي استعداد حتى اليوم للبحث بشكل جدي عن طرق ناجعة لمواجهة التحديات المتعاظمة التي تهدد مستقبل الشعوب، لأنها ما زالت ترى أن تحقيق مصالحها الاستعمارية يمر عبر بوابة خلق المزيد من التوترات وإشعال الحروب والأزمات.
مشكلة الولايات المتحدة أنها ترفض فكرة التعايش مع الحضور الروسي والصيني والإيراني، وغيرها من الدول الصاعدة على المسرح الدولي، ولا تريد الاعتراف بأن عصر الهيمنة قد ولى، ولذلك فهي ما زالت تتشبث بمنطق قانون شريعة الغاب الذي وضعت له أسساً من خارج منظومة القواعد الدولية والأخلاقية، وتسعى بكل إمكانياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية للحفاظ على هيمنتها الأحادية، وتتجاهل كل المطالبات الدولية بضرورة إرساء الأمن والاستقرار، ووضع حد للنزاعات والحروب التي أشعلتها على أكثر من جبهة دولية، وحل الخلافات عبر الحوار والدبلوماسية، لاسيما أنها إلى جانب القوى الغربية التابعة لسياساتها، يقع عليها المسؤولية الأكبر في إرساء الأمن والسلام في العالم.