” بلا سائق ولا قلب “

 

منذ سنوات عدة تتجاوز عقداً من الزمن كتبت قصة للأطفال بعنوان هذا المقال، توقعت فيها أن تصبح وسائل المواصلات بلا سائقين ليحل محلهم الذكاء الصناعي فيقود السيارة، والحافلة، وربما الطائرة في استغناء تام عن العنصر البشري.. وها نحن اليوم نجد أن هذا قد تحقق جزء منه، ولو أنه لا يزال على نطاق ضيق ريثما ينفتح المجال أمامه واسعاً، وربما لأبعد مدى، أو ربما لمجالات غير محدودة تجعل من إنسان القرن الحادي والعشرين يقف مشدوهاً، فاغراً فمه تعجباً مما يحققه العلم وتقنياته المختلفة من تطور متسارع، وقفزاتٍ هائلة تفاجئنا بين حين وآخر.. إلا أنه سيندهش أكثر إذا ما عرف الوجه الآخر الخفي للعلم، والمختبىء وراء هذه الإنجازات المبهرة، والمبكية بآنٍ معاً.. لنصبح أناساً يُقادون من قِبل سائقٍ بلا قلب.. ولماذا القلب مادام للسائق جسم معدني، وذكاء صناعي لا بشري؟!.

وليس هذا فحسب بل إنهم يتنبؤون بأنه في غضون نصف قرن، أو أقل سوف يتفوق هذا الذكاء المٌصنّع على الذكاء البشري الذي ابتكره، وأوجده.. فماذا نحن فاعلون أمام كل ذلك إذا ما تحولنا إلى كتل بشرية من لحم، ودم، متواضعة الذكاء بالقياس إلى الآلة التي تغِذ صعوداً في تطورها، وتفوقها؟.

أما تلك البيانات غير البريئة التي جمعتها عنا شبكة المعلومات فقد استطاعت أن تُعرِّف بدقة مهندسي الخوارزميات في أي منحى يسير به التفكير البشري المعاصر، لا بل وأمزجتنا أيضاً، وهفواتنا، وسقطاتنا، أو باختصار ما هو من السلبيات التي يمكن استلابنا من خلالها، وبالمقابل فهناك ما هو من الإيجابيات التي يمكن استغلالها لإذكاء ما يسمى بالذكاء الصناعي.

وآلي مبرمج بخوارزميات دقيقة، ومدروسة نفسياً، واجتماعياً، وبيئياً، كما ثقافياً، واقتصادياً إلى آخر قائمة المجالات الحياتية، سيأتي عليه يوم يستطيع به أن يغزو بمعدنه حياتنا بقوة مادام يقدم أفضل الحلول لمشكلات في البيئة، والتعليم، والصحة، والعلاقات الاجتماعية، وفي مجال المال والأعمال، وغيرها.. وإذا ما برزت لك قراراته الصائبة على نحو غير متوقع، ودون بحثٍ منك عنها، أصبح هو العرّاف الذي يتنبأ لك بمستقبلك بينما يعدك بالأمثل فالأمثل مرتدياً ثوب البراءة، والمساعدة، ولو أن ثقوب ثوبه تكاد تكون بادية للعيان.. فماذا أنت فاعلٌ إزاء ذلك؟.. إنه أحد أمرين لا ثالث لهما: فإما أن تستجيب، وتذعن بملء إرادتك الحرة بعد أن بلغت عتبة القناعة التامة بما أُملي عليك، أو أنك ستتمرد وتحطم رأس هذا الآلي لتحرم نفسك مستقبلاً من حلول أخرى ذكية كنت بحاجة إليها، وهي تترابط فيما بينها كسلسلة متصلة إذا ما كُسرت حلقة منها تداعت معها باقي الحلقات.

إن من مغريات المتعة، والتشويق التي يوفرها الذكاء الصناعي أيضاً في مجال الترفيه بدءاً من الجهاز المحمول سواء أكان حاسوباً، أم هاتفاً لم يعد يفارقه أحد، وليس انتهاءً بما تحفل به الأمكنة مما يخطف القلوب، والأبصار، وما توفره أجهزة الواقعين المعزز، والمدمج، من عجائب، وغرائب، ما يعِد بالمزيد منها، وهي تعرض أمامنا خيارات لا حصر لها لننتقي منها ما هو الأمتع لنا، والذي يدخل بهجة حقيقية إلى نفوسنا.. فكيف السبيل إلى تجاوزها؟.

نهر جارف تنبت على ضفتيه أشواك الاستلاب التي تخز عميقاً، وإلى جانبها ما هو نقيضها من أزهار تتنفس هواءً نقياً فتزدهر حرة مستقلة، تشرب من ماء النهر بمقدار محسوبٍ لا يجعلها تختنق بفيض الماء من حولها.. وإذا ما أوقع إنسان الألفية الثالثة نفسه في نهر تقنيات ذكاء مصنّع فلا سبيل له للنجاة من سريان تياره.

وهكذا يصبح للمستقبل متاحف تحتفي به من قبل أن يأتي، وتبشّر بتحسن هذا المستقبل بفضل الآلة التي ستسود فيه، والذكاء الصناعي الذي سيحركها.. كما تبشّر بيوم ستتخذ فيه الآلة الذكية القرارات بنفسها دون عودة إلى صانعها.. فهل سيأتي يوم تتخذ فيه هذه الآلة قراراتنا الحياتية حتى بالإنابة عنا؟ ربما.. مَنْ يدري؟!.

* * *

آخر الأخبار
قطرة دم.. شريان حياة  الدفاع المدني يجسد أسمى معاني الإنسانية  وزير السياحة يشارك في مؤتمر “FMOVE”  التحول الرقمي في النقل: إجماع حكومي وخاص على مستقبل واعد  وزير النقل لـ"الثورة": "موف" منصة لتشبيك الأفكار الريادية وتحويلها لمشاريع      تنظيم شركات المعلوماتية السورية  ناشطو "أسطول الصمود" المحتجزين يبدؤون إضراباً جماعياً عن الطعام حوار مستفيض في اتحاد العمال لإصلاح قوانين العمل الحكومي مناقشات استراتيجية حول التمويل الزراعي في اجتماع المالية و"IFAD" الشرع يبحث مع باراك وكوبر دعم العملية السياسية وتعزيز الأمن والاستقرار العميد حمادة: استهداف "الأمن العام" بحلب يزعزع الاستقرار وينسف مصداقية "قسد" خطاب يبحث في الأردن تعزيز التعاون.. و وفد من "الداخلية" يشارك بمؤتمر في تونس حضور خافت يحتاج إلى إنصاف.. تحييد غير مقصود للنساء عن المشهد الانتخابي دعم جودة التعليم وتوزيع المنهاج الدراسي اتفاق على وقف شامل لإطلاق النار بكل المحاور شمال وشمال شرقي سوريا تمثيل المرأة المحدود .. نظرة قاصرة حول عدم مقدرتها لاتخاذ قرارات سياسية "الإغاثة الإسلامية" في سوريا.. التحول إلى التعافي والتنمية المستدامة تراكم القمامة في مخيم جرمانا.. واستجابة من مديرية النظافة مستقبل النقل الرقمي في سوريا.. بين الطموح والتحديات المجتمعية بعد سنوات من التهجير.. عودة الحياة إلى مدرسة شهداء سراقب اتفاقية لتأسيس "جامعة الصداقة التركية - السورية" في دمشق قريباً