تمر المنطقة العربية بحالة شبه عدمية على كل المستويات والقاسم المشترك فيها هو العجز عن القيام بأي عمل جماعي عربي يفضي إلى معالجة الأزمات التي ترهق كاهل العرب وتبدد ثرواتهم وتزهق أرواحهم على مسرح تقتصر مشاركتهم فيه على دور الضحية.
تتراكم الأزمات والمشاكل فوق رؤوس العرب في ظل غياب أي مبادرة حقيقية وصادقة لمعالجة إحدى الأزمات أو إزالة المعوقات التي تعطل آليات التعاون العربي التي بقيت حبراً على ورق.
إن إحصاءً بسيطاً للمشاكل والخلافات والأزمات التي يعاني منها العرب حالياً يبين أن الدول العربية لم تجد حلاً لأي من هذه القضايا منذ نحو سبعة عقود ويدل ذلك على عدم امتلاكها إرادة القرار والدور في إيجاد حلول حتى للمشاكل غير المستعصية.
فالخلافات الموريتانية المغربية ما زالت تحت الرماد والخلافات الجزائرية المغربية كذلك الأمر والأزمة الليبية تتفاعل وتتلاعب فيها الدول الغربية والخلافات السودانية المصرية تخضع للتبريد والأزمات الخليجية وفي مقدمتها اليمنية تجعل كل هذه المنطقة أسيرة الإرادة الإقليمية والخارجية ووضع الأزمات في سورية والعراق جراء العدوان الخارجي ليس بأحسن حال والأخطر من ذلك أن القضية الفلسطينية التي صرفت جميع الدول العربية من أجلها موارد كثيرة تكاد تفقد بريقها لحساب المشروع الصهيوني الغربي.
هذا غيض من فيض المشكلات والأزمات العربية التي تتفاعل وتستغلها الدول الأخرى لأحكام سيطرتها على القرار والدور العربي ولعل السؤال هنا ما هو الحل وهل فقد العرب القدرة على تكرار المحاولات المضيئة السابقة؟.
لا شك هناك حلول عديدة تفضي إلى استعادة العرب ولو لجزء محدود من دورهم المفقود أو المصادر والمرحلة التي يمر فيها العالم تشكل فرصة لذلك من خلال توظيف امتلاكهم لثلثي احتياطيات النفط والغاز في العالم بعيداً عن الأحاديث الفارغة والانهزامية تحت شعار عدم إخضاع مصادر الطاقة للخلافات السياسية.
بين ليلة وضحاها أخضعت الدول الأوروبية الغاز والنفط الروسي لخدمة صراعها غير المباشر تحت مظلة حلف شمال الأطلسي مع روسيا الاتحادية على حساب شعوبها التي تضررت من هذا التوجه ومن حق العرب أن يستفيدوا مما منحتهم إياه أوطانهم وجغرافيتهم السياسية في تحقيق مصالحهم وليس في التخفيف من أعباء القرارات الغربية المناهضة لروسيا على شعوب الدول الغربية.
يوم أمس استخدمت روسيا الاتحادية الفيتو ضد مشروع قرار أميركي _ ألباني في مجلس الأمن يدين انضمام جمهوريتي الدونباس ومقاطعتي خيرسون وزابوروجيا إليها وامتنعت كل من الهند والصين والبرازيل والغابون عن التصويت لصالح القرار الأميركي ليس فقط لأنه لا يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة أو اتخاذ موقف الحياد بل حرصا على مصالح شعوبهم واستنادا لقراءة هذه الدول للمستقبل التي تؤكد أن العالم أمام مرحلة جديدة تزول فيها الهيمنة الأميركية لصالح عالم متعدد الأقطاب بدأ يتشكل من رحم الصراع بين القوى الكبرى في أوكرانيا وغيرها.
إن الدول العربية لا تبدي حتى اليوم أي مبادرة للاستفادة من الحالة التي يمر بها العالم وتكتفي بدور المتفرج الأعمى على الرغم من الزيارات المفاجئة للمسؤولين الغربيين إلى بعض دول المنطقة للضغط عليها بهدف تعويض النقص الحاصل في حوامل الطاقة لديها نتيجة العقوبات التي فرضتها على روسيا الاتحادية.
إن كل الدول الكبرى المتصارعة اليوم على كعكة إدارة العالم والاستحواذ عليها بحاجة لموارد الطاقة العربية ومن المفروض على الحكومات العربية أن تدير هذا الملف بحنكة وعقلانية وتقيم بدقة اتجاهات المعركة وتبني قراراتها على هذا الأساس واي حكومة تتقاعس عن إدارة إمكانات شعبها بهذا الفهم تهدر فرصة جوهرية لاستعادة قرارها وتاليا القرار العربي المصادر منذ عقود.
من الخطأ الجسيم أن تكتفي العديد من الدول العربية باتخاذ موقف المتفرج مما يحدث في العالم وهذا لا يعني أن تنخرط في حروب ونزاعات عالمية ولكن من المهم أن تتحرك لاستعادة قرارها والاستفادة من قدراتها الذاتية للتخلص من إرث الحقبة السابقة.
يمكن للدول العربية إذا ما تجاوزت خلافاتها البينية التي افتعلتها الدول الغربية إبان حقبة الاستعمار ولا زالت تغذيها إلى اليوم أن تنهض من جديد وتتجاوز الضغوط والتهديدات الخارجية وهذا بحاجة إلى حراك من جميع الدول والقوى السياسية لانتهاز الفرصة الحالية التي من المحتمل أن تتكرر خلال خمسة عقود قادمة.