على مبدأ معالجة النتيجة بدل السبب، تستمر الأجهزة الرقابية التموينية في سياستها بتحقيق أرقام إضافية من الضبوط الورقية بحق الباعة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، في حين يقبع التجار الكبار في مأمن من كل ذلك غير مهتمين بكل ما يجري حولهم.
تصريحات التجار ما أكثرها والعواطف جياشة تجاه المواطن، وهم أنفسهم من يغرقون السوق ببضائعهم محدودة الجودة بأسعار تناسبهم هم فقط، وهم من يحددون سعر مبيع المفرق وهم من يجنون الربح.. وبالتالي أين المشكلة؟
آلاف من الباعة في أسواق المحافظات يتعرّضون لضبوط التموين، وهم في الحقيقة نتيجة وليسوا سبباً في كل ما يجري، ولغير العارف يمكن القول إن محل الغالبية العظمى من الضبوط هو عدم وجود الفاتورة، فالموزع يرفض منح الفاتورة حتى تكون مستنداً للتكلفة التي حددها الصناعي أو التاجر ليضيف إليها البائع هامش ربحه الضئيل، والبائع يعتاش من حانوته ولا يمكن له إفراغه من البضائع وإلا بات على دور الجمعيات الخيرية، والتموين يلاحقه بالضبوط.. فأين المشكلة؟
المشكلة أن التموين تعرف جيداً وتعي أن سعر المبيع لا يحدده البائع، وسمعت لجانها ذلك من مئات المحال، كما تعرف أن الفاتورة غير موجودة لعدم منحها من الموزع باعتباره مندوب صاحب البضاعة، فتكون مخالفة البائع عملية غير مجدية إطلاقاً لكونها تضرّ بالصغير وتتجاهل الكبير، في حين كان الأوفق لو سُئل مرة واحدة عن مصدر البضاعة وجُلِب الموزع فيكون التاجر أو الصناعي تحت الحق فيكون الجزاء من جنس العمل.
يمكن للتموين إن لم ترغب بإحداث البلبلة التي يتباكى رجال الأعمال ليل نهار خوفاً منهم على السوق من وقوعها، يمكن لها تطبيق القانون على رجل أعمال واحد فيكون عبرة للسوق، بل يمكن لها وعبر غرف التجارة والصناعة توجيه هذا التحذير لأصحاب البضائع حتى يمنحون الفاتورة، وفي ذلك خير عميم.
الفاتورة هي الضامن للبائع كما هي صك الحقيقة لرقم الأعمال الحقيقي، ناهيك عن كونها الإثبات المحقق للضريبة، فإن رضي صاحب البضاعة بربح قليل تراجعت ضريبة كثيراً، وإن أبى إلا الربح الفاحش دفع جشعه ضريبة صافية لخزينة البلاد..
لعل من نافلة القول إن كل ما سبق يحتاج ليتحقق مجرد الإرادة الحقيقية الصادقة.