الصورة تحرض الذاكرة وتنعشها وتعيد تفاصيل الحدث

الثورة – حسين صقر:

المتأمل للصورة سواء أكانت متحركة أم ثابتة، يدرك تماماً مدى تأثيرها على سلوك الإنسان ونفسيته، وإذا عدنا بالذاكرة لصورة الأفلام الأميركية مثلاً والتي روجت في فترة ما لنوع من الدخان عند الرعاة، يدرك مدى تأثيرها، كذلك في الإعلان التلفزيوني عند الترويج لسلعة ما، والصورة التي أعطتها الدراما عن المرأة والرجل وتعامل الطرفين مع بعضهما، وانعكاس ذلك على بقية أفراد العائلة.
ما سبق يخص الصورة الحية المتحركة، أما بالنسبة للثابتة، والتي تنشر على صفحات الصحف والمجلات، وحتى على القنوات الفضائية الثابتة، فهي تلعب دوراً إضافياً، وهو التوثيق السهل، أي طريقة الحفظ التي لا تحتاج لأي أدوات تقنية، حيث يمكن وضعها في الأدراج واستعراضها بطريقة بسيطة، حيث يختلف ذلك عن الصور المخزنة على السلايدات والأقراص الليزرية وأشرطة الفيديو، والتي تحتاج لطرق وأجهزة لعرضها.
بالإضافة إلى ما سبق، فالصورة أيضاً، تحرض الذاكرة وتنعشها، وتعيدنا إلى يوم الحدث، إذ هناك الكثير من الصور التي التقطناها في الرحلات والمناسبات واللقاءات العادية وسهرات السمر، ومنها ما يبعث في النفس الفرح ويضعنا بصورة تفاصيل تلك اللحظة، وأمثلتها الأعراس والأعياد وغيرها، ومنها ما يرسل الألم والحزن، ويذكرنا بمواقف مأساوية عشناها ولحظات وداع، وأمثلتها الحروب والكوارث والأزمات والمآتم وإلى ما هنالك أيضاً.
إذاً لا يخفى على أحد التأثير الكبير الذي تتركه الصورة في أعماقنا وضمائرنا، حيث تغلبت آلات التصوير الثابتة والمتحركة على آلات الكتابة والحروف، حتى أضحى هناك ما يسمى ثقافة العين، والبعد الثالث، وينطبق ذلك حتى على المواصلات السلكية واللاسلكية، إذ لم يعد الإنسان المعاصر يقنع بالاتصال مع إنسان آخر اتصالاً سمعياً وحسب، بل أصبح التواصل معه تواصلاً بصرياً، وبمكن للمتصل أن يشارك ذلك الشخص فرحه وحزنه والسير معه ومرافقته حتى لو كان في آخر الأصقاع، ويمكن لمجموعة متصلين تشكيل مجموعات، كالتي ينشئها الأصدقاء على تطبيقات الواتس والماسنجر والأنستغرام والتويتر وغيرها، ويشاركون بعضهم الأحاديث وكأنهم جلّس مع بعضهم، حتى أن هناك دروساً وعمليات جراحية تلقى وتنفذ من خلال الصورة، وهو ما حوّل الفضاء الخارجي إلى فضاء داخلي عبر قناة الصورة وتقليص أبعادها الشاسعة إلى أبعاد قياسية محدودة، ثم إخضاعها للتحليل بواسطة أنظمة الإعلام الآلي المبرمجة، مثلما هو الحال بالنسبة للأرصاد الجوية، والتقاط صور لمعرفة ظاهر الأرض وباطنها لأغراض علمية وعسكرية، وكذلك الحال بالنسبة للكواكب الأخرى.
وفي هذا السياق قال الدكتور هاني سعد الدين الاختصاصي في العلوم البصرية والسلوكية: نعيش اليوم عصر تكنولوجيا الصورة، والتي تجاوزت كل الأشكال الثقافية الأخرى لتصبح تعبيراً وأداة في تشكيل مشاهد الحضارة المعاصرة، وأضاف بالرغم من أن الكتابة ضرب من ضروب التصوير بالخط والرسم بالأشكال، وتندرج ضمن فضاء الخطاب البصري، فإنها لم تعد معياراً للتمييز بين الثقافة الشفوية والحضارة في ظل عالم الصورة الذي مثل تقاطع الأنماط الإنتاجية مع الأنماط الاستهلاكية، حيث أصبح هنالك تنافس حاد بين الأسواق الصغيرة وذات المساحات الكبرى من أجل الهيمنة على ثقافة العين واستلابها بالصورة، وبين الحديث عنها شفهياً أو غيابياً عبر الأثير مثلاً، وهو ما أضفى عليها طابعاً من الرخاء المادي، والرفاهية السحرية التي لا تقاوم، منوهاً بأن الإنسان المعاصر لا يملك أمام وسائلها الجبارة إلا الانقياد والتسليم بأمرها الواقع مثل: الإشهار والإعلانات التلفزيونية و السينما و الفيديو وغيرها، كما يصبح الشخص في مواجهة إغراء الصورة التي تفرض عليه أحياناً حتى عادات سيئة طبعاً غير مبررة، كالتدخين والنرجيلة والألعاب الخطرة، وبعض الممارسات السلوكية المغلوطة كعلامة من علامات التحرر والتحضر المزعومة.
بدورها قالت الاختصاصية النفسية رهام الشاطر: إن شبكة العين الطبيعية أو الاصطناعية أصبحت بلا منافس قادرة على رسم معالم الحضارة المعاصرة، وأضحت الثقافة المكتوبة تأتي في المقام الثاني، ولهذا
يبدو أن تراجع الكتابة يدل على سيادة المرئي على المسموع والمكتوب، من منطلق أن ثقافة الأذن أكثر اقتصاداً في إنفاق الجهد من أجل التلقي، وكذلك الجهد المبذول في القراءة أكبر بكثير، ولكن لذة العين أكثر حظوة من لذة الأذن، وبالتالي فالتأثير النفسي للصورة يبقى أبلغ، كما أن الصورة في ذاتها تدعم الحقيقة، والحكمة القديمة التي تقول: “من رأى ليس كمن سمع” إشارة إلى أهمية الصورة ودورها التأثيري الكبير للحد الذي جعلها بديلاً عن الخبرات الشخصية التي يمر بها الفرد، كما أننا أصبحنا نكون الكثير من الأفكار عن غيرنا من خلال الصورة، فهناك الكثير من البلاد لم نزرها لكن لدينا الكثير من المعلومات عنها وعن حياة أهلها من خلال الصورة، كما أننا لم نقابل كل من نعرفهم لكن الصورة ظلت شاخصة وحاضرة في تكوين أفكارنا نحوهم، ولا شك أن التطور التكنولوجي الذي نعيشه في أقنية نقل الصورة وتداولها، ومنها وسائل التواصل الشخصي والإعلام الجديد والتي ساهمت في أن يكون الشخص ذاته منتجاً للصورة وليس متلقيا فقط لها، زاد من انتشارها، الأمر الذي جعلها بحق ثقافة تبنى عليها الخبرات والمواقف.

آخر الأخبار
التحول نحو الاقتصاد الحر.. خطوات حاسمة لدعم المصرف المركزي السوري فزعة الأشقاء.. الأردن يهبّ لمساندة سوريا في إخماد حرائق الساحل أول شحنة منتجات من المدينة الصناعية بحسياء إلى الولايات المتحدة الأميركية رئيس الجمهورية يتابع ميدانياً جهود الاستجابة لحرائق ريف اللاذقية  تشكيل مجموعة العمل المشتركة حول التقنيات المالية بين مصرف سوريا المركزي ووزارة الاتصالات 138 خريجاً من مدرسة التمريض والقبالة في حلب يؤدّون القسم تحفيز إبداع فناني حمص مبادرة وطنية لحفظ وتثمين التراث السوري الهيئة الوطنية للمفقودين تطلق المرحلة الأولى من عملها هوية دمشق القديمة.. حجر اللبون بين سوء تنفيذ.. وترميم غير مدروس بحث تطوير مطار حلب وخطوات جديدة نحو الإقلاع الاقتصادي حركة نشطة عبر معبر السلامة.. أكثر من 60 ألف مسافر في حزيران وعودة متزايدة للسوريين بين المصالح والضغوط.. هل تحافظ الصين على حيادها في الحرب الروسية-الأوكرانية؟. صحة حمص تطور خبرات أطباء الفم والأسنان المقيمين تخفيض أجور نقل الركاب على باصات النقل الحكومي بالقنيطرة أطباء "سامز" يقدمون خدماتهم في مستشفى درعا الوطني استجابة لشكاوى المواطنين.. تعرفة جديدة لنقل الركاب في درعا كيف تخلق حضورك الحقيقي وفعلك الأعمق..؟ حرائق الغابات تلتهم آلاف الهكتارات.. وفرق الإطفاء تخوض معركة شرسة للسيطرة على النيران سوريا وقطر تبحثان توسيع مجالات التعاون المشترك