الملحق الثقافي – شهناز صبحي فاكوش:
لم محبتنا مجزوءة.. ضحكتنا نخشاها إن صدرت من القلب. لم محبتنا غير كافية لترضينا.. نأكل من غير شبع.. طعام على طعام، خشية الحصار والتجويع. حصارنا أمرَّ من حصار مكة.. أين القدوة من الفلتان الذي أفرزته الحرب بين أبناء الجيل.. أين القدوة في الخطاب.
كيف السبيل لإصلاح بناء الوطن المهشم على صخرة الحرب البغيضة.. أين دعاة الوطنية في وطن منهوب من أهله قبل الغريب.. أين نحن من مكارم الأخلاق.. وأين نحن ممن يحبّ الوطن ولا يعرف كيف يظهر حبّه.. حين تكتمل المكارم في الأخلاق يُنْجَزُ الوطن الأفضل..
لم يأخذنا النوم والسهو عما يحتاجه الوطن، أين نحن من شروق الشمس، وبطن الليل.. لم نحن غافلون عما يحتاجه ليستعيد نضارته وعافيته.. لم نهرب عندما تنوء بنا الأيام، ونلوذ بضفاف أيام خلت، كانت ملاذاً للراحة والاستجمام، راحة للروح.. واستجماماً للجسد.
كان أغلب الظنّ عندهم أن السعادة في جمع المال، أو كثرة البنين من الولد، ليكونوا في الكبر سنداً وعزوة.. لَمْ يدركوا أن القناعة في كلّ شيء تزيد الأشياء حُسناً وجمالاً.. ما يهدِّئ الروع ويمنح الروح فضاءات حبّ تحلق بها، لتساهر النجوم متكئة على كتف القمر..
كيف كنّا ونحن نجمع ما كان ليفرقنا يوماً، لولا الموت.. حين غابت مع خريف أيلول.. غاب الرضا وغابت راحة البال.. هل كانت صمام الفرح ونبت الحياة.. وأنشودة الربيع الذي سحق الجمال والحبّ والفرح ومقدرات الحياة رغم أسنانه اللبنية، من أين استمد الصلافة والصلابة
انكسر عقد اللؤلؤ (طق) من جيدها تناثرت حباته سُمِعَ صوته، كأنه طلقة خرجت من فوهة سلاح تبحث عن صدر تستقر به، أو جدار ترتطم به.. هل من هدنة مع الأيام الكالحة.. وضجيج النفس تبحث عن بصيص نور.. يرشدها إلى أي درب يمكن أن يوصلها للمستقبل..
هل من نغم على وتر، أو جلد رق يهدهد أفراح السكينة، ليأخذها حيث جموع المستمعين.. من تقطّعت أنفاس الأمل فيهم، وأسباب الحلم الغائب بين شروخ صفحات العمر.. هل من راتق يجيد فيها الحياكة التجميلية كجرّاح ماهر.. أم أن الدهر حكم عليها بنزيز النجيع إلى ما لا نهاية.
عندما يرتطم صوت العقل بضربات القلب، تنوء الدنيا بحملها كأسفار على ظهر كسيح، فلا يكفيها ورقة وقلم لتستعيد حساباتها مع الزمن.. كيف يمكن شراء سكينة الروح وفي أي متجر تباع، هل نجدها على الأرصفة التي تحتضن نفائس الكتب والبضائع الرخيصة أو الأقل كلفة..
ما الذي يمكنه أن يذهب القلق والاكتئاب، من بين مضاجع الموت ومباضع الجراحين. كيف لنا استعادة صناعة كمون السعادة، هل نحتاج طوفاناً كطوفان نوح، يغرق الفاسدين.. فلا يبقى إلا نزهاء الضمائر.. وعفيفو الأنفس.. لزوم صناعة هرمون السعادة من الحموض الأمينية..
هل نحتاج عقاراً ضد تآكل الغضاريف، بسبب جرينا ونحن نطحن أعمارنا كطحن الشعير.. هل من وصفة تعالج الفؤاد السقيم، وتذهب عنه بعضاً من الحزن الذي يلف مكامن أزرارٍ تحرك حيواتنا، فلا ترسل صريرها المنفر كباب سجن، يستفز الأعصاب منبهاً مقاليد الضجر..
هل يمكن تحلية الريق بشيء من العسل والحليب أو الدبس. لعل الأيام تحلو في العيون، والمرء يتجرع ريقه الجاف من حرارة الأيام وكواهنها.. فترتاح القلوب التي تشبث بها الشقاء؛ وهي تخلع أوراق التقويم؛ التي تظهر نواجذها الحادة، لتقرض مواقيت الحياة بغير رحمة..
ما السبيل لنحبّ كما نشاء ونفرح كما نشاء، نرتل ألحان الصفاء كلٌّ كما يشاء.. ونعزف على قيثارة الزمن ألحان الحزن وموسيقا وداع الشهيد، وألوان الفرح مهما شابها العَكَرْ وتبقى أزلية الحياة فرضاً على بني البشر حلوة، مرة، أو مزية المذاق. والأصل هل لنا أن نحبّ كما نشاء..
العدد 1116 – 18- 10-2022

السابق
التالي