الملحق الثقافي- وفاء يونس:
هذه قصتي إلى كل من يود أن يعرف كيف صرت مجنوناً: في قديم الأيام قبل ميلاد كثيرين من الآلهة نهضت من نوم عميق فوجدت أن جميع براقعي قد سرقت البراقع السبعة التي حكتها وتقنعت بها في حياتي السبع على الأرض فركضت سافر الوجه في الشوارع المزدحمة صارخاً بالناس:اللصوص اللصوص الملاعين فضحك الرجال والنساء مني وهرب بعضهم إلى بيوتهم خائفين مذعورين.
وعندما بلغت ساحة المدينة إذ بفتى قد انتصب على أحد السطوح وصرخ قائلاً: إن هذا الرجل مجنون أيها الناس وما رفعت نظري لأراه حتى قبلت الشمس وجهي العاري لأول مرة لأول مرة قبلت الشمس وجهي العاري، فالتهبت نفسي بمحبة الشمس ولم أعد بحاجة إلى براقعي وكأنما أنا في غيبوبة صرخت قائلاً:مباركون مباركون أولئك اللصوص الذين سرقوا براقعي.
هكذا صرت مجنوناً ولكني قد وجدت بجنوني هذا الحرية والنجاة معاً حرية الانفراد والنجاة من أن يدرك الناس كياني لأن الذين يدركون كياننا إنما يستعبدون بعض ما فينا.
ولكن لا أفخرن كثيراً بنجاتي فإن اللص وإن كان في غيابة السجن فهو في مأمن من أقرانه اللصوص.
قالوافي كتاب المجنون
ما كتب عن مجنون جبران يشكل مكتبة كبيرة جداً، ومازال الكتاب يلقى الدراسة والنقد والتحليل ويحظى بنسبة مبيعات مرتفعة جداً في الولايات المتحدة الأميركية، من طوفان الكتابة هذه اخترنا باقة صغيرة:
يعد أول كتاب يكتبه جبران باللغة الإنجليزية، وهذا الكتاب قد ضم 35 حكاية رمزية وقصيدة نثرية، ويحتوي الكتاب على حكايات لاذعة مملوءة بالتهكم، لكنها بعيدة المغزى، إذ تجسد مرارة الخيبات والنقمة على الجهل والخبث، وقد جعل جبران بطل كتابه مجنونًا، لأنه يرى أن أول خطوة نحو التجرد هو الجنون، إذ كان جبران مؤمنًا بالسوريالية وأفكارها، لذا كشف في هذا الكتاب ما وراء العقل من أفكار وأسرار، وإذ نجد أن الكتاب مملوء بالحكايات، إلا أن فكرته تدور حول شيء واحد، وهو قضية الذات وعلاقتها بنفسها وبالآخرين وبالكون وبالله.
وهذا يعني أن الكتاب يناقش قضايا اجتماعية وميتافيزيقية، إذ يصور فيه جبران الثورة على تقاليد المجتمع وقيمه، ويدعو إلى التحرر ونبذ التقاليد والعادات، ويحاول توجيه القارئ للسمو الروحي والتوق للكمال، بلغة بسيطة تطغى عليها الدرامية المؤثرة، مع الكثير من الاستعارات والتشابيه الرائعة الدقيقة والطريفة في الوقت نفسه.
ومن أهم المواضيع التي تناولها الكتاب على سبيل المثال ما يأتي: حكاية كيف صرت مجنوناً؟ حكاية بين هجعة ويقظة. حكاية الناسكان. حكاية الكلب الحكيم. حكاية الملك الحكيم. حكاية النملات الثلاث. حكاية حفار القبور. حكاية المدينة المباركة. حكاية الإله الصالح والإله الشرير. نبذة عن مؤلف كتاب المجنون مؤلف كتاب المجنون هو الشاعر والكاتب والرسام اللبناني جبران خليل جبران، من أشهر أدباء وشعراء المهجر، ولد في بلدة بشري بشمال لبنان عام 1883م لأسرة فقيرة، ولم يستطع جبران تلقي التعليم الرسمي خلال مرحلة الشباب، وهاجر مع عائلته للولايات المتحدة، وهناك درس الأدب وبدأ مسيرته الأدبية. وكتب جبران الكثير من المؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية، وامتاز أسلوبه في الكتابة بالنزعة الرومانسية، ويعتبر جبران رمزاً من رموز الأدب، وواحداً من أسباب ازدهار الأدب في عصر نهضة الأدب العربي الحديث، ولا سيما في الشعر النثري. وقد كتب جبران العديد من الكتب، أشهرها كتاب النبي الذي صدر عام 1923م، وقد احتوى على سلسلة كبيرة من المقالات الفلسفية المكتوبة بطريقة النثر الشعري باللغة الإنجليزية، وقد حصل هذا الكتاب على مبيعات رائعة للغاية، لذا لقب جبران بالشاعر الأكثر مبيعًا بعد وليام شكسبير ولاوزي، وقد ترجم هذا الكتاب لأكثر من 110 لغات منها اللغة الصينية. وقد توفي جبران بسبب مرض السل وتلف الكبد، في نيويورك عام 1931م، عن عمر يناهز 48 عاماً، وكان يتمنى أن يدفن في لبنان، لذا تحققت أمنيته عام 1932م حين تم نقل رفاته إليها، وقد دفنت هذه الرفات في لبنان في مكان يعرف الآن باسم متحف جبران.
المجنون في ميزان النقد
حاز إعجاب الكثير من القراء، فهذا الكتاب الذي ضم 35 حكاية حملت كل معاني التهكم اللاذع على الخبث وخبايا النفس، انطوى على أمثال وتأملات كثيرة، وقد ثار فيه جبران على المنافقين والضالين، وصور في الكتاب مهزلة المحاكم، ورسم أخلاق الناس والسلطات. وقد كان موفقاً في اختيار الجنون ليصف به هذا العالم الذي يعج بالعجائب والغرائب، التي لا يمكن أن يتقبلها العقل أو الدين، ومن أبرز القصص في الكتاب قصة الحرب، التي استطاعت أن تصور بنجاح غطرسة المحاكم والتي راح بسببها الكثير من الضحايا الأبرياء، الذين كانوا آخر من يعلم بمجريات الحرب والأحداث الأخرى التي تجري حولها، والعقوبات التي لا تطبق إلا على الفقراء المساكين البسطاء.
اقتباسات
هناك الكثير من العبارات الرنانة والمؤثرة التي كتبها جبران خليل جبران في كتابه المجنون، ومن أهم وأجمل هذه الاقتباسات ما يأتي: قصة الحب هي قصة آدم، خلق الله المرأة من ضلوعه، فأول علامات الحب أن يشعر الرجل بالألم كأن المرأة التي أحبها كسرت له ضلعه، وكل قديم في الحب هو جديد بمعنى غير معقول، وكل جديد فيه هو جديد بمعنى غير مفهوم، فغير المعقول وغير المفهوم هو الحب. وما رفعت نظري أول مرة لأراه حتى قبّلت الشمس وجهي العاري لأول مرة، لأوّل مرة قبلت الشمس وجهي العاري فالتهبت نفسي بمحبة الشمس ولم أعد بحاجة إلى براقعي، وكأنما أنا في غيبوبة صرخت قائلاً: مباركون مباركون أولئك اللصوص الذين سرقوا براقعي. إنّ رغبتي في الموت، وهي أبعد رغائبي، مقيّدة بسلاسل رغبتي في الحياة، وهي أدنى رغائبي. فإن اللص وإن كان في غيابة السجن فمو في مأمن من أقرانه اللصوص. المراجع هل كان المقال مفيداً؟
العدد 1117 – 25- 10-2022