سلوى إسماعيل الديب
«تراثنا ضمير الأمة ووجدانها، وهو الصلة الحية بين الماضي والحاضر، لأنه حياة متصلة يأخذ غدها من حاضرها، ففي ظل واقع اجتماعي ظالم، نشأ فن النادرة استجابة لهذه الظروف، ورداً عليها، فكانت جزءاً مهماً من الفنون النثرية -قسيمة الشعر- فكان أشهر فرسانها جحا العربي، الذي كانت نوادره كما سنبين تنتمي إلى دائرة اجتماعية منبوذة طبقياً « بهذه الكلمات استهل محاضرته الدكتور الباحث أحمد دهمان من على منبر فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب بعنوان «تعانق الواقع التاريخي بالخيال الأدبي- نوادر جحا تحليل ودراسة» بحضور نخبة من المثقفين من أعضاء الاتحاد ورواده .
وقد اعتبر هذه النوادر إدانة لعصره، وتحول سيرة جحا وغيره ما يشبه الملاحم الشعبية التي تدور حول الدهاء والطرائف المسلية.
وأشار إلى العلاقة بين جحا العربي والتركي، ففي الأدب التركي نسبت قصص جحا من أسطنبول إلى الشيخ نصر الدين خوجة، وهو رجل حكيم يتمتع بذكاء وثقافة دينية وقد عاش في زمن تيمورلنك في القرن السابع، كان وجوده بتأثير شخصية جحا العربي في الأتراك، إذ كانت مصدراً رئيساً لنوادر التركي المليئة بالطرائف والفكاهة.
وتحدث عن البنية الفنية: بأنها مواقف هزلية، تربوية قصيرة، تعرض بأسلوب طبعي، مع استخدام ألفاظ عامية، وكثر استخدام أسلوب الحوار، الذي عرف به الجاحظ في كتابه البخلاء، وهي نوع من أنواع الفكاهة الهادفة والساخرة.
وبأن النادرة شكل فني للفكاهة، وظيفتها الأولى تخفيف أعباء الحياة عن كواهل الناس، وتخليصهم ولو مؤقتاً من بعض تبعات الحياة اليومية، وضغوطها.
أما عن العلاقة بين النادرة الجحوية واللصوصية فقال: المتأمل في نوادر جحا اللصوص لا بد أن يربط بينها وبين الموقف الجحوي عامة مع السلطة وقضية العدالة وغياب القانون.
وحدد خصائص النادرة في ضوء الدراسة النقدية التحليلية لمأثور جحا بما يلي:
تشتمل النوادر الجحوية على ضروب التعبير الشعبي الفكاهي، بغض النظر عن أنواعها سواء كانت حكاية مرحة أو نكتة ساخرة.
وتلبي النادرة احتياجات نفسية ودوافع خفية تنشأ عن إحساس الإنسان بعقبات تحول دون تحقيق رغباته الكاملة.
وأشار إلى اعتماد النادرة على عنصر التصوير والحركة، حيث تصور الشخصية كاريكوتورياً، وتصف شكلها الثابت، بل تتخطاه بقدرة الكاريكاتير على النقل المضحك، فتنشأ كاريكاتور الأفعال، وأن النادرة الجحوية تتسم بالبساطة وعدم التعقيد اللغوي، لأنها نابعة من أوساط اجتماعية تتسم بالبساطة والعفوية.
وغالباً ما يكون شخوص النادرة (نمطيين) غير مقصودين بذواتهم، وإنما جاء بهم الوجدان الشعبي مساعدين على خلق قاعدة الموقف المرح في النادرة.
ونظراً لأن النادرة جنس أدبي لغوي لا ينتمي إلى إطار زمني ومكاني محددين، ولكونها تعالج موضوعات إنسانية عامة، جعل انتقالها من بيئة إلى أخرى أمراً سهلاً وشائعاً.
واختتم محاضرته بالحديث عن السمات الموضوعية والفنية المميزة للنادرة الجحوية، قائلاً: لا شك في أن النادرة زاد نفسي وفني استقر في الوجدان الشعبي العام، فشحنت تلك النادرة خلجات القوم النفسية واهتماماتهم الروحية، فكانت رداً على إغفال هذا النوع من النثر الفني الذي استقر في الأذهان أنه خرافات مصنوعة، لا قيمة وراءها، في حين أن النادرة موقف أو كلمة ترد على تعبير أدبي مجنح ..
