الملحق الثقافي- نبيل فوزات نوفل:
باتت الثقافة اليوم حاجة أساسية لاحدود لها فكل حاجات الإنسان لها حدود إلا الثقافة فلا حدود لها فهي قاطرة التنمية المستدامة، وعرفها أحد كبار المفكرين والمثقفين العرب عبد الوهاب المسدي بأنها: مناط الشخصية العربية، ومستودع قيمها ووعاء حكمتها، وحقيقية هويتها الحضارية، أنها ثقافة إنسانية أصيلة، شاملة لمظاهر إعادة الروح، ذات عراقة تاريخية، تتميز بقيم فكرية عالية، وقيم الحق والعدل والمساواة واحترام المعرفة، ثقافة تتمثل الثقافات الأخرى دون إذابة أو ذوبان، تتفرد بجهاز لغوي ليس له مثيل في السعة والمرونة، وهو ومن هنا فإن الاستثمار في الثقافة هو استثمار في التنمية المستدامة على اعتبار الثقافة قاطرة هذه التنمية، وهو أرقى أنواع الاستثمار وأكثره أماناً وتحصيناً للمجتمع وبالتالي الصناعات الإبداعية هي ناتج الثقافة وبمقدار الإهتمام بالثقافة ومبدعيها وروادها بمقدار ما تزدهر الصناعات الإبداعية في فنون الإبداع كافة وفي مقدمها اليوم تكنولوجيا المعلومات حيث بات الاستثمار فيها له أبعاد سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية بل يمكن القول إن من يملك الصناعات الإبداعية والتقانات الدقيقية وعلوم الشرائح الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات يمتلك القوة القادرة التي تكرس السيادة والوجود الكريم للدولة والشعب بين أمم الكرة الأرضية، وسنتحدث عن أهمية امتلاك تكنولوجيا المعلومات ودورها في الثقافة والمجتمع فكما بات معروفاً أن تكنولوجيا المعلومات تساهم في تشكيل وعي الفئات الإجتماعية وتلعب دوراً حيوياً في تكامل منظومة الثقافة مع منظومات التربية والإعلام والإقتصاد، وتوفر بيئة خصبة ومثالية لحوار الثقافات، وبالتالي فمن لا يملك تكنولوجيا المعلومات سيبقى يعيش تحت مكابح القوى الإمبريالية المتوحشة ويبقى تابعاً ضعيفاً مسلوب الإرادة، فكما تدل الوقائع أن تكنولوجيا المعلومات لها منظور ثقافي تنموي، ولا يعني استيراد التكنولوجيا أننا امتلكنا التقدم بل يجب العمل على توطينها وصناعتها من خلال رصد الإمكانات المادية والرعاية والإهتمام بالباحثين والمبدعين مادياً ومعنوياً وتطوير مناهج التعليم وطرق التعليم لخلق مبدعين قادرين على امتلاك ناصية التكنولوجيا المتطورة، وهذا يحتم على حكوماتنا العربية التكاتف من أجل التصدي لظاهرة التجنيس الثقافي الجارية حالياً فإذا ما استغلينا تكنولوجيا المعلومات بالشكل الصحيح وعملنا على امتلاكها والتفوق فيها فإننا نتمكن بكل اقتدار وثقة من تثبيت دعائم ثقافتنا العربية بصفتها ثقافة إنسانية عالمية أصيلة وهذا يتطلب إعادة النظر بصورة شاملة في سياساتنا الثقافية تجاوباً مع ثقافة المعلومات، ويجب أن تكون التكنولوجيا تابعة لنا لا أن نلهث وراءها، فنحن نريد تكنولوجيا تعيد للإنسان إنسانيته، نحن بحاجة إلى إقامة صناعة ثقافية يمكنها المنافسة عالمياً، أي بناء اقتصاد الثقافة التي تتطلب مؤسسات ثقافية تتسم بالدينامية وسرعة التكيف واتخاذ القرار ماهرة في استخدام الوسائل الحديثة وتكنولوجيا المعلومات مؤسسات قادرة أن تدير صناعة الثقافة بأسلوب يختلف عن إدارة المصانع والمتاجر.
إن المعلومات أداة الصناعة الثقافية، حيث تمثل أهم مقومات البنى التحتية لصناعة الثقافة، فهي توفر المواد الخام التي تقوم عليها هذه الصناعة(المعلومات الثقافية) وتكنولوجيا المعلومات هي الشق الرئيس في التكنولوجيا الثقافية وتساهم بدور فعال في مجال التنظير الإبداعي فنحن نبدع اولاً، ونفلسف ثانياً فقد نجحت تكنولوجيا المعلومات في كسر الثنائيات بين المادي واللامادي، بين الطبيعي والصناعي، وأسقطت الحواجز الفاصلة بين أجناس الفنون ماسيسمح برصد الظاهرة الإبداعية عبر أنساق رمزية مختلفة وستزيد من التفاعل بين المبدع والمتلقي وعلاقة المتلقي بالعمل الإبداعي وفي سبيل تطوير الثقافة والصناعات الإبداعية نرى تطبيق خطة المنظمة العربية للثقافة والفنون التي تركز على جوهر الثقافة وغايتها الحقيقية وترى فيها تراثاً قومياً وإبداعاً، وأكدت على علاقة الثقافة بالفئات الإجتماعية وتكاملها مع منظومة التربية والاتصال والإعلام، علاوة على كونها تراثاُ إنسانياً، إن تكنولوجيا المعلومات تساهم في دفع الفنون كاملة والارتقاء بها، وهناك علاقة تلازم بين الاستثمار في الثقافة وبين الصناعات الإبداعية في المجالات المختلفة، والنجاح في فهم العلاقة بينهما يؤدي إلى امتلاك ناصية الحاضر والمستقبل وهذا يتطلب الإهتمام بالثقافة والتعليم والبحث العلمي والمبدعين ورعايتهم مادياً ومعنوياً وإرساء شبكة تعاون بين الدول العربية فيما بينها للاستثمار في الثقافة والصناعات الإبداعية لأنها الطريق الأمثل لبلوغ مكانة مرموقة ومحترمة بين شعوب العالم التي تتسابق اليوم لامتلاك القوة بجوانبها المختلفة وفي مقدمتها العلم التقاني الذي أساسه الإبداع والصناعات الإبداعية.
العدد 1118 – 1-11-2022