الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
عندما بدأ نابليون بونابرت حملته عام 1812 لغزو روسيا، قاد أكبر “تحالف بين الراغبين بالحرب” في التاريخ، إضافة إلى جوهره الفرنسي، كان جيش بونابرت يتألف أكثر من 400.000 جندي إيطالي وهولندي وألماني وبولندي.
وعندما وصلت فيه قوة بونابرت متعددة الجنسيات إلى موسكو، أدى شلل المعارك الباردة المدمرة والإرهاق والمرض وسوء التخطيط اللوجستي إلى انخفاض قوة الغزو الأصلية إلى أقل من النصف، ولم يمض وقت طويل قبل أن تنشق بروسيا وحلفاؤها الألمان الشماليون (باستثناء البولنديين) الذين هجروا أو ماتوا في المعارك.
اليوم، يبدو أن بايدن وأركان “البيت الأبيض” يفكرون باستخدام قوة متعددة الجنسيات تستهدف روسيا، حلف الناتو غير قادر على التوصل إلى قرار بالإجماع بالتدخل عسكرياً لدعم أوكرانيا، ولكن كما أشار ديفيد بتريوس مؤخراً، فإن الرئيس وجنرالاته يقيمون “تحالف الراغبين” الخاص بهم، يُزعم أن التحالف سيتألف بشكل أساس، ولكن ليس حصرياً، من القوات البولندية والرومانية، مع وجود الجيش الأمريكي في جوهره، للعمل في أوكرانيا.
تنجح جميع الحملات العسكرية أو تفشل على أساس الافتراضات الاستراتيجية التي تدعم التخطيط والتنفيذ التشغيلي، ودون معرفة تفاصيل المناقشات الجارية، لا يزال من الممكن إثارة أسئلة حول هذا التحالف:
أولاً ما هو الهدف من التحالف؟ هل الهدف طرد القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية؟ هل الهدف هو تعزيز خطوط الدفاع الأوكرانية وتحقيق وقف إطلاق النار من أجل المفاوضات؟ أم أن التحالف مجرد أداة لجر بقية أعضاء حلف شمال الأطلسي إلى حرب مع روسيا لن يدعمها سوى عدد قليل جداً من الأوروبيين؟.
ثانياً، ماذا ستفعل القوات الجوية والبرية الأمريكية إذا انخرطت بشكل حاسم منذ اللحظة التي تعبر فيها الحدود البولندية والرومانية إلى غرب أوكرانيا؟ لا شك أن القيادة العليا الروسية ستحدد المكون العسكري الأمريكي على أنه مركز ثقل التحالف، ويترتب على ذلك أن القوة العسكرية الروسية ستركز أولاً وقبل كل شيء على تدمير الهيكل الحربي الأمريكي جنباً إلى جنب مع قدرات القيادة والسيطرة والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الفضائية.
ثالثاً، هل تبني واشنطن ” تحالف الراغبين” لأسباب سياسية أم لأنها تتوقع التزاماً كثيف الموارد وتحتاج إلى حلفاء إقليميين لتقاسم العبء؟ ونظراً لأنه من غير المحتمل أن تهزم القوة العسكرية الأمريكية التقليدية القوة العسكرية الروسية التقليدية بمفردها، فهل يمكن للتحالف الذي تقوده واشنطن تجميع القدرات العسكرية المتنوعة المطلوبة للهيمنة على القوات الروسية؟ وبالقدر نفسه من الأهمية، هل تستطيع القوات الأمريكية والقوات المتحالفة حماية شبكات النقل العديدة في أوروبا، وكذلك القواعد الجوية والبحرية، من الهجمات الجوية والصاروخية الروسية؟.
رابعاً، هل سيخضع سلوك عمليات التحالف لقيود تعتبر ضرورية للشركاء المتحالفين؟ توجد دائماً اختلافات في الرأي حول كيفية محاربة الخصم، وإلى أي مدى يجب التحرك، ويمكن أن يؤدي عدم الوضوح بشأن أهداف محددة إلى عواقب وخيمة. بعبارة أخرى، ما مدى وحدة القيادة التي يمكن أن يتوقعها القادة العسكريون الأمريكيون حقاً من حلفائهم في الحرب، وهل ستفوق المطالبة بوحدة القيادة على المصالح الوطنية البحتة؟ من المفيد أن نتذكر أن موسكو تتمتع بسلطة كاملةعلى جميع قواتها بما في ذلك قوات شركائها وحلفائها.
أخيراً، يصرّ ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف الناتو على أن فشل أوكرانيا في حربها مع روسيا سيُفسر على أنه هزيمة لحلف الناتو، ألن تكون الخسائر الفادحة التي لحقت بالقوات البرية الأمريكية في مواجهة القوة العسكرية الروسية إشارة إلى هزيمة واشنطن؟ ما مدى السرعة التي يمكن أن تعوض بها القوات الأمريكية والقوات المتحالفة خسائرها؟ هل الخسائر الأمريكية الفادحة ستثير شبح الرد النووي الأمريكي؟ متى يعرض دعم أوكرانيا أمن الناتو وبقاءه للخطر؟.
كما أن إعادة تأكيد واشنطن التي أعلنت مؤخراً عن الغموض الاستراتيجي فيما يتعلق بـ “أول استخدام للأسلحة النووية” يثير أسئلة إضافية، يشير المتحدثون باسم إدارة بايدن إلى أن الرئيس لن ينفذ تعهده لعام 2020 ويعلن أن الغرض الوحيد من الأسلحة النووية هو ردع هجوم نووي ضد الولايات المتحدة أو حلفائها.
يعد قرار الرئيس بايدن خطراً ومدمراً على الأقل لأهداف أمريكا وحلفائها، هل يعتقد أي شخص في واشنطن أن هذه السياسة الجديدة تجعل الحرب النووية مع روسيا أقل احتمالًا؟.
الاستراتيجية العسكرية تدور حول علاقة الوسائل بالغايات ولكن يجب أن يكون القادة السياسيون والعسكريون اليوم خبراء استراتيجيين جادين، وحساسين للغاية للحدود التي تفرضها نقاط القوة والضعف الأمريكية على الخيارات الاستراتيجية.
لا ينبغي التقليل من تكلفة تصعيد الصراع على الأمريكيين والأوروبيين، ويجب على الرئيس وجنرالاته أن يقدّروا مدى الضرر الذي قد يلحقه الفشل العسكري بمجتمع أمريكي أضعف بالفعل بسبب 20 عاماً من الحروب المدمرة في العراق وأفغانستان، فالمعنويات العسكرية الأمريكية في أدنى مستوياتها. وأصبح التجنيد في القوات المسلحة الأمريكية، وخاصة القوات البرية، أصعب من أي وقت مضى منذ السبعينيات، فأداء الاقتصاد الأمريكي هش، ولا تزال التوقعات الاقتصادية لأوروبا أكثر كآبة.
في معركته مع روسيا، لم يخطئ بونابرت تقدير خصمه فحسب، بل أساء تقدير حلفائه بشكل كبير، ويجب ألا يرتكب الرئيس بايدن وجنرالاته نفس الأخطاء في أوكرانيا.
المصدر: أمريكان كونزيرفاتيف