يتساءل المهتمون: ما الذي يجعل التركيز على الحرب الأوكرانية متراجعاً إعلامياً لمصلحة الاهتمام بالمنطقة العربية، واحتمالات تصاعد الصراع.. ماذا تعني موافقة تل أبيب وواشنطن على مسودة اتفاق مع لبنان، تحقق مطالب الشعب اللبناني تجنباً لمخاطر المواجهة بين الطرفين؟.
بينما يتساءل البعض ممن يودون الاصطياد بالماء العكر، هل معاهدة كاريش هي ترسيم للحدود بين لبنان والكيان الصهيوني، أي نوع من الاعتراف الضمني بالكيان.. أم هي تقاسم للثروات ما يؤدي للنتيجة ذاتها التي بشر بها نتنياهو في فترة حكمه السابقة، مع عودته بالانتخابات مؤخراً.
حسماً لكل من تسول له نفسه للتشكيك بما حدث، العالم لابد من أن يعي أن الأمر تم وفق إرادة لبنان وكل النقاشات التي دارت وصولاً للنتائج المعلنة، حدثت بشكل غير مباشر بين الطرفين، والسبب:
1ـ نجاح لبنان كان بفضل إشهار المقاومة قوتها الرادعة وخشية الكيان الصهيوني من مواجهتها.
2ـ فرضها لمعادلة كاريش وما بعد ما بعد كاريش، في انتزاع كل ما حدده لبنان الرسمي؛ من شروط لإنجاز اتفاق ترسيم الحدود النفطية البحرية مع فلسطين المحتلة.
3ـاعتبار الخط 23 مستقيماً، هو الخط الفاصل للحدود البحرية.
4ـ اعتبار كامل حقل قانا، يمتد جزء منه داخل المياه الإقليمية الفلسطينية.
5ـ سقوط خط هوف الذي حاولت فرضه على لبنان، كلّ من واشنطن وتل أبيب الذي كان بموجبه سيتم اقتطاع جزء هام من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة، لمصلحة سيطرة كيان الاحتلال عليها، لكونها تحتوي على كميات واعدة من الثروة الغازية والنفطية.
6ـ إجبار واشنطن وتل أبيب رفع الحصار المفروض على لبنان، الذي كان يمنع الشركات الدولية من البدء بعمليات التنقيب والاستخراج من حقول لبنان.
كما نصّت مسودة الاتفاق على أن شركة توتال الفرنسية ستبدأ التنقيب في حقل قانا وغيره؛ من الحقول اللبنانية، فور التوقيع الرسمي على الاتفاق مقابل السماح لكيان العدو بدء عمليات استخراج الغاز من حقل كاريش.
7ـ عدم توقيع لبنان أي اتفاق أو معاهدة مع كيان العدو، والاكتفاء بتوقيع كل طرف على مسودة الاتفاق، التي سترسل نسخة عنها لكل طرف من دون مواجهة رسمية..
المبعوث الأمريكي (غاموس هوكشتاين) يهتم بالصياغة النهائية وإنجاز التعديلات الفنية والتقنية عليها ليتم بعد ذلك إرسالها إلى الأمم المتحدة لأن لبنان لا يعترف بكيان الاحتلال.
والأهم أن الاتفاق لم يتضمن أي صيغة من صيغ الشراكة في الحقول النفطية، لأن لبنان يعتبرها عملية تطبيع يسعى إليها كيان العدو، ويرفضها لبنان بشكل قطعي..
إن إنجاز الاتفاق انتصار جديد للبنان لأنه تم وفق شروطه، وسابقة في نوع الصراع، ومواجهة كيان عرف بأطماعه، ولا يفهم سوى لغة القوة، ما يبرهن أن:
الجيش + الشعب + المقاومة + وحدة الموقف اللبناني الرسمي= معادلة قادرة على حماية حقوق لبنان، وسيادة أرضه وثرواته.
لا شك في أن التقاط المقاومة اللحظة المواتية للضغط فيها على الكيان الصهيوني العدو، وراعيته الولايات المتحدة الأمريكية، لاستخراج الغاز من كاريش، في هذا التوقيت بالذات، شكل الفرصة المناسبة لانتزاع حقوق لبنان، وإلزام كل من واشنطن وتل أبيب، الإقرار بهذه الحقوق، والتخلي عن السعي للاستيلاء على جزء هام منها، وهو الأمر الذي يفرض ذاته بقوة الموقف اللبناني..