ربما لاننظر نحن السوريين إلى الحدث الكروي العالمي كغيرنا، ولنا نظرتنا الخاصة جداً جداً، فزوايا النظر عندنا كثيرة ومعقدة ،لكن هذا لا يعني أنها منقسمة وغير موحدة، لا، على الإطلاق، نظرتنا موحدة، هي ذات النظرة لكن تنطلق من زوايا اعتبارية متنوعة لذلك هي معقدة و ربما تكون هي النظرة الأدق في العالم كله لهذا الحدث العالمي الكبير.
هناك زاوية قومية والسوري شديد الحساسية في هذه الزاوية يدافع عنها نفسياً ويملأه الفرح لرؤية أي إنجاز عربي مهما كان، فما بالك بالإنجاز الذي حصل والذي ألغى ولو بشكل مؤقت ولأيام فقط التصنيف الطبقي بين الدول فلم تعد الدول العربية عالماً ثالثاً بل أولاً، ورأينا أرقى شعوب الأرض وهم اليابانيون ينظفون ما تحت مقاعدهم احتراماً لحضارة المكان.
الحضارة هي زاوية ثانية ينظر منها السوري لأنها خلفيته التي يستند عليها في العالم وهي هويته العالمية فلا يقال عنه في العالم إنه ثري ولا قوي بل يقال إنه ابن أصول عريقة جداً بل الأعرق بين الأصول، وهنا تختلف نظرته لما يحدث، فابن الأصول العريقة لا تستهويه حضارة العملة الصعبة وهو يحب أن يرى إلى جانب الكرسي الذي يستطيع بتقنياته تدليك ظهر المتفرج وهو يشاهد المباريات على شاشة كرسي آخر، يحب أن يرى كرسي ملك حكم الأرض قبل 3000 سنة وقبل 5000 سنة!! فالحضارة عندنا لاتعني الغوتشي والنايك وغيرها بل ما لبسته ربة الينبوع في ماري والحذاء الذي ارتداه سانخونياتن الفينيقي وهو يطوف مؤرخاً البشرية وصولاً لأميركا!!
الزاوية الوطنية معقدة جداً بقدر ما هي واضحة جداً وهي أساس الأساسات في تركيب الصورة فهي الشعور الطاغي على النظرة ونكتفي بالإشارة إليها فهي أعمق من أن يفهمها لأنها شعور وليست رقماً واضحاً كغيرها، لكن هناك زاوية خفية جداً في تركيب صورة الحدث الكبير في عين السوري وهي الزاوية الإنسانية الخفية.
عندما نقرأ كبرى المجلات الأدبية التي كانت تصدر بين ألفين وألفين وعشرة وما قبلها في التسعينيات مثل الناقد والكرمل ودراسات اشتراكية وغيرها، والسوري كان متصدراً لها بكل قوة نرى نزعة إنسانية هائلة في الأدب السوري فهو ارتقى في أدبه وصولاً إلى حقوق النبات، ثم حدث أن نصف العالم هجم عليه محاولاً كسره وتجويعه وتعذيبه ومنهم من أهله وناسه فتجددت نظرته للعالم وما يحدث فيه وخصوصاً أحداثه الكبرى وصار مهتماً بالأحداث المفصلية وليس بالمهرجانات الباذخة مهما بلغ بذخها ومهما دفع جلجامش الحديث من عملة صعبة فيها.
نحن هنا كسوريين لاننتقد إيجاباً ولا سلباً، نحن فقط نشرح نظرتنا الخاصة إلى الحدث الذي ينظر العالم كله إليه الآن، وهي نظرة خاصة جداً جداً ولها زواياها التي لا يرى بها الآخرون، وصدقوني حتى لو كنا ممثلين بنسورنا في تلك الأرض الرطبة ذات البروج والعروج لما اختلفت نظرتنا لأن الزوايا التي ننظر منها صنع يد التاريخ بكل ثقله وليست زوايا عالية التقنية صنعتها العملة الصعبة من أجل جلجامش افتراضي!!.