ثورة أون لاين – قلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يصعب في الأفعال المشينة أن تعثر على حسنات، ومع ذلك فإنها في الخطوة الأردنية التي اعتبرت السفير السوري شخصاً غير مرغوب فيه -على ما فيها- تتفوق الحسنات في حضورها على السيئات، بدليل أن التداعيات المباشرة تكشف عما عجزت عنه كل الخطوات الإيجابية والأفعال التي جاءت على عكاز حسن النيات، بعد أن بطلت قصة حسن الجوار، وتلاشت لغة الحرص الدميمة وادعاءات الأخوة الجوفاء.
ويصعب أن تجد في الخطوات العدائية وغير المبررة نقاطاً تميل باتجاه الإيجابية، لكن في تلك الخطوة هناك عشرات النقاط الإيجابية، بحكم ما تقتضيه من فتح للدفاتر واستعادة كل التفاصيل المؤجلة أو المنسية أو المحيدة أو المركونة جانباً، ومعها العناوين أيضاً، وهي تكفي مبدئياً للمحاججة وعلى رقعة التداول المعتمدة رسمياً في الأردن.
نتفق جميعا على أننا في زمن فقدت فيه المفاجآت حضورها، ولم يعد هناك ما يمكن استبعاده من لائحة الاحتمالات الواردة في قاموس الذين ناصبوا سورية العداء، ولم يعد ما يمكن التعويل عليه من صحوة لن تأتي ولو متأخرة، أو على خروج من أسر الإملاءات الغربية أو انفكاك من سطوة المال الخليجي.
فمع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي تتسارع المواقف في اتجاهات متعاكسة وأحياناً متضادة، حيث ترتفع وتيرة التسخين الغربي على جبهات السياسة والدبلوماسية والإعلام ولا تستبعد من حساباتها عوامل التلويح العسكري المبطن أحياناً والظاهر في أحيان أخرى، ويندلق على الخط الموازي لها ما تبقى من أدوار وظيفية ادخرتها لأيامها العجاف، بعد أن أوصلتها الحماقة لتكون البيدق الأخير في رقعة شطرنج تفترش المنطقة بحسابات الغرب ومعادلات أطماعه.
وإذا كان السعار الغربي جزءاً من ممارسة معتادة تجاه حالة الإفلاس التي تواجه سياسة نفاقه المعتمدة، فإن التصعيد على الجبهات الأخرى يأخذ تحولاً أبعد من ذلك بدليل أن اللهاث خلف نتف سياسية بالية ومقولات مجتزأة والتصيد من خلف الأبواب الموصدة، يأتي في الوقت خارج الضائع، ولا طائل من النفخ المبكر أو المتأخر في قربه المثقوبة.
على هذه القاعدة لا يكتفي الأردن بما جادت به أدواره الوظيفية على مدى أربعين شهراً محسوبة باليوم والساعة، كما هي محفوظة بالنقطة والفاصلة من أول طاولة احتضنتها القاعات الملكية وحتى آخر أمر عمليات استلمته دوائره المحيطة به، وليس من الصعب إحصاء عدد أوامر الدفع المقابلة أو أوامر القبض اللاحقة، ولا يقتصر على ما جادت به أراضيه من استضافة دائمة لمعسكرات التدريب، بل يمد جسوراً إضافية من ذرائع العدوان المتلونة في السياسة والدبلوماسية والإعلام.
«النخوة» الأردنية الارتدادية لا تحاكي فقط ما ترسمه دوائر القرار الغربي المصنوع في إسرائيل، ولا هي مجرد صدى للسعار الغربي المتجدد بقدر ما هي توطئة لمنعطف في الدور الوظيفي الذي اقتضت الضرورة أن يخرج إلى الأضواء، وبات من الصعب التغطية أو التعمية على مخارجه ومداخله وقد ارتدت بعضها أو كلها سياق الحضور الغربي في أروقتها.
في كفة الميزان السياسي، نستطيع الجزم بأن تلك «النخوة» كانت كفيلة بإسقاط آخر الأوراق، وهي تتدحرج مع كرة الثلج على مرج خيانتها الذي تدوسه اليوم أقدام الجنود الأميركيين، ومن يشاركهم من الغرب والأعراب، ليكون التلويح بالعدوان عن قرب وليس من البعيد، ومن داخل العواصم العربية وليس من تلك الغربية التي لم يعد يطربها التلويح الأجوف، ولا ينفعها الندم الأعمى لأن العدوان لم ينفّذ في حينه.
وفي لغة التعويل الأردني، جاءت الرسائل حمالة أوجه صريحة وعلنية، وفي عناوينها ما يغني عن تفاصيلها، وفي توقيتها ما يحول دون التمعن في مضمونها، وفي الذرائع التي حملتها ما ينفي الحاجة إلى التبرير، وما هو خارج سطورها أهم بكثير مما جاء بين السطور.
لكن في المحاكاة العملية ثمة مفازات يصعب على لغة العرش الأردنية ورسائله وعلى الأصابع التي سطرتها والعقول العفنة التي أملتها، أن تحصر اللعب في المساحة التي تقتضيها رقعة الشطرنج الغربية، وهي تتدحرج على بقاع متفجرة ومتحركة في منطقة تموج في تفاصيلها حركة التاريخ، لكنها لا تحيد عن وجهتها ولا تخطئ في التقاط إحداثيات الخرائط التي تنتجها الإرادة في المواجهة حتى النهاية، وهي احداثيات غير تلك التي تفترضها الغرف السرية وطاولات الأقبية، حتى لو كانت تحت فناء عرش ملكي!!
a.ka667@yahoo.com