الثورة – لميس علي:
تستعد.. تتفرّغ.. تتأهب.. وتتحمّس لمتابعة نجمك وفريقك المفضل.. ولا يهم إن ارتفع لديك مستوى الأدرينالين في سبيل ارتفاع مستوى هرمون السعادة، نهايةً، على هيئة المتعة التي تحملها لك كرة القدم.
في إحدى المرّات عنون الفيلسوف والروائي الإيطالي إمبرتو إيكو إحدى مقالاته بقوله (وكيف لا نتحدث عن كرة القدم)، وبين مجرد “الحديث” عن شيء ما وبين الوقوع في حبّه فرقٌ كبير.
غالباً يصل حبّ كرة القدم الذروة في مواسم المونديال، حيث يصبح الحديث عن الساحرة المستديرة عاماً وجماهيرياً، كما في المونديال الحالي ٢٠٢٢.
أيام قليلة مضت على بدايته وأصبحت بعض مواقفه وأحداثه (تريند) يتم تداوله كأهم حدث ليس على المستوى الرياضي فحسب، بل على المستوى الجماهيري عالمياً..
كما في خسارة ميسي في أولى مباريات فريقه الأرجنتين.. ودموع رونالدو.. أو حتى ركلة نيمار التي تمّ تداولها كمتوالية رياضية يصعب تكرارها..
أحداث ستبقى في ذاكرة عشاق هؤلاء ترافقهم سنين طوال.
ألم نشعر لوهلة أن هدف ميسي الصاروخي في مرمى المكسيك كان بمثابة هدية لمارادونا في ذكرى رحيله الثانية التي كانت قبل يوم واحد من الهدف..؟
ربما يعتقد البعض أن ميزة كرة القدم تتمثل بالإقبال الجماهيري حولها، متناسين قدرتها على تدوير عقول حتى كبار الكتّاب والفلاسفة.. وبالتالي هي تصنع إقبالاً نخبوياً أيضاً.
فكما يُذكر عن الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر أنه فضّل في إحدى المرّات الحديث عن فرانز بكنباور على الحديث عن علاقة الأدب بالمسرح، مؤكّداً دائماً أنه “لاعب ملهم”..
فما الذي ألهمته كرة القدم للكثير من الكتّاب حتى كتبوا فيها..؟
ومَن لم يقرأ ما كتبه محمود درويش في حبّه لمارادونا.. الأسطورة الأرجنتينية والتي كما يُقال يكفي أن تسير في شوارع مدينة نابولي الإيطالية لتدرك مدى تأثيره بأهلها وحبّهم له..
ألم يمارس ألبير كامو حراسة المرمى..؟
وكان يرى فيها نوعاً من ثقافة حقيقية..
ويبدو أن هذه الثقافة دفعت إدواردو غاليانو لتأليف كتاب عنها بعنوان “كرة القدم بين الشمس والظل”.
وكأننا، لا شعورياً، نهوى تلك القدرة على المراوغة التي يمتلكها نجم “كرة القدم”..
المراوغة التي تمثّل شيئاً من عبقرية تؤهله في النهاية للتسديد وتسجيل الهدف.. المراوغة تلك المهارة بما تحمله من دقة ملاحظة وسرعة بديهة وذكاء التمرير أو الاستحواذ.