عبد الحليم سعود:
لم يعد خافياً على أحد حجم التورط التركي في الحرب على سورية، لدرجة الشعور – وربما الاقتناع- بأن كل ما حدث في سورية من عمليات قتل متعمد وإجرام وحشي وإرهاب تكفيري وتدمير ممنهج وسرقة موصوفة وتهجير للسوريين كان جزءاً من مشروع تركي بخلفية عثمانية، لكي يستعيد رأس النظام التركي عهد السلطنة العثمانية البائدة.
إذ لم يكف رجب أردوغان عن التباهي بأجداده المقبورين، وحنينه لاستعادة إرثهم من البوابة الإخوانية، إذ شكلت تركيا في عهده الزعيم العالمي لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، وقد برهن على ذلك من خلال احتفائه بسيطرة التنظيم على كل من مصر وليبيا وتونس في بعض فترات ما يسمى الربيع العربي، وسعيه المفضوح لتمكين التنظيم من السيطرة على بعض المناطق في سورية.
هذه الاستماتة الأردوغانية في دعم تنظيم الإخوان المسلمين ومتفرعاته الإرهابية في سورية كان لابد من تغليفها بشعارات زائفة وذرائع كاذبة لإقناع بعض السوريين السذج ممن التحقوا بمشروعه في المنطقة، وتمرير برنامجه الإخواني في داخل تركيا “ذات الوجه العلماني” التي كانت تتدحرج من الحكم الثيوقراطي الذي أحياه أردوغان على حساب التنوع الحزبي والاجتماعي والديني، ولذلك حاول أردوغان منذ البداية أن يظهر بمظهر الداعم للشعب السوري والمدافع عنه من منطلق إنساني كاذب، ولكنه لم يستطع إخفاء وجهه الإخواني البشع عندما بدأ بتشكيل مليشيات إرهابية ومجموعات مسلحة من المرتزقة الإخونجية لمحاربة الدولة السورية، وقدم لهم المال والسلاح بالتعاون مع النظام القطري، وعندما فشلت كل محاولاته ومحاولات محور العدوان الذي تنتمي إليه تركيا بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أخذ قراراً -بإيعاز أميركي- بشن عدوانه العسكري في الشمال السوري، إذ شن جيشه المحتل ثلاثة اعتدءات عسكرية واسعة النطاق في الشمال السوري منذ العام 2016، بذرائع مختلفة، مرة لمحاربة الإرهاب الذي احتضنه ورعاه في داخل تركيا، ومرة لإقامة ما يسمى منطقة آمنة داخل الجغرافيا السورية لإبعاد ما يسمى “التنظيمات الكردية” المناوئة لتركيا عن الحدود، ومرة بحجة الأمن القومي التركي المهدد من قبل المشروع الانفصالي لبعض “الجماعات الكردية” المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.
ولعل الهدف الحقيقي لأردوغان يتمحور اليوم في إقامة ما يسميه “منطقة عازلة” داخل الحدود السورية بعد تهجير أهلها وتوطين المرتزقة الإخوان الذين ساهم بتجميعهم وتدريبهم وتمويلهم لكي يكونوا رأس حربته في التدخل بالشأن السوري، وقد فضحه العدوان العسكري الذي يشنه جيش الاحتلال التركي حالياً في الشمال السوري، وهو ما يجعل كل تفاهمات أستانا بشأن الحل السياسي في سورية ومسألة احترام سيادة ووحدة الأراضي السورية في خبر كان، الأمر الذي يبرهن مرة أخرى أن هذا الرجل لا يؤتمن جانبه ولا يمكن الركون للعهود التي يقطعها في كل جولة من جولات أستانا، وما يجري اليوم في الميدان هو خير برهان على كذبه ونفاقه وخداعه للجانبين الروسي والإيراني شريكي أستانا، وهو الأمر الذي أكدت عليه سورية مراراً وتكراراً في كثير من المناسبات بأن الخطر التركي على سورية هو أشد الأخطار التي تهدد وحدتها وسلامة أراضيها.
