كثيراً ما ردّدنا هذا الكلام .. إلى الأرض … العودة إلى الأرض .. عودوا إلى الأرض … الأرض .. الأرض .. ربما ملّت الأرض منا .. ملّت من خطابنا وحكينا وترهاتنا .. لكنها لم تستوفِ من جهدنا وإخلاصنا .. قدمنا لها ما يوفر لنا الفرصة لنغادرها ونسافر .. حيث لا جهد مضنً .. ونعيش بفرق العملة..
الحكاية بما فيها أننا جعلنا من الأرض شعاراً لنا.. وجعلنا منها احتياطاً لم نعطه صفة الاستراتيجية .. بل فقط أعطيناه ضمير التملك والادخار .. وعشنا من دخول أخرى.. نسميها “دخولاً” وهي في الحقيقة دخل مالي بلا إنتاج .. والأرض لا تتيح ذلك ..الأرض تتيح الدخل من الإنتاج فقط .. وتجفل من فكرة الراتب وفرق العملة.
أرضنا خدمتنا جيداً وخدمناها بحدود .. بكل الأحوال لم تشكل لنا مبعث الأمل الوحيد أو الرئيسي..
ذات يوم ندهت على هذه الصفحة: ويل لنا من اقتصاد يقبل أن تكون الزراعة فيه عملية خاسرة ..!! وجاء ذاك اليوم ..وهي اليوم كذلك ..
الزراعة عندنا عملية خاسرة .. فقط الذين يجربون يعرفون .. لكنها تفرض نفسها رغم الخسارة لأننا بالمحصلة نحتاج أن نأكل .. ومهما صدمتنا أسعار منتجات الأرض لا بد من تشغيلها والشغل عليها..
يعني : القبول بأسعار محلقة لمستلزمات الإنتاج وأجور النقل .. وكل ما يتعلق بخدمة الزراعة .. يعني قتلاً للزراعة .. ودفناً لها في الأرض ونحن اليوم تماماً أمام خيار يتمثل بالأرض والزراعة..
الزراعة عندنا .. في أراضينا .. تعني الكثير .. تعني عالماً من الإهمال والملل وفقدان العمل .. يعيش العاملون بالزراعة .. على الأمل.. وللمزارع توجه واحد يقول: العام القادم سيكون الوضع أفضل ..!! حتى إذا جاء العام لعن أخاه وقال انتظروا..
فأين ننتظر ..؟
من زمان كان لنا مع الأرض والزراعة عهد الإخلاص .. وكانت هي الأصل .. حتى أصل الصناعة .. مصدر الصادرات الرئيسي وإليها تأتي الواردات .. ثم دخلنا عالم الفنتازيا والاقتصاد الافتراضي والدخول من الوساطات والأعمال الدعائية والتسلية .. فحولنا الأرض إلى مسرح للرقص .. إن أنتج نرقص .. وإن لم ينتج نرقص .. وكان عالم بلدنا الحديث .. بلد الرفاه من غير زراعة.. وتقريباً من غير صناعة ..
اليوم .. لا معنى لأي كلام أمام تحدي الجوع الحقيقي إلا الزراعة .. وما يتبعها ويتضامن معها .. وإلا فالقادم غير مريح..
نعم .. من هنا يبدأ الحل .. ويحتاج جنوداً آخرين .. وتأويلات مختلفة .. وعقولاً راجحة ..
سفر الختام – الإصحاح الرابع والثلاثون
As.abboud@gmail.com