يستمرّ النغم في التراث الحيّ، فبعد القدود الحلبية وخيال الظلّ والوردة الشامية يأتي العود ليأخذ حضوره السوري على لائحة التراث العالمي (اليونسكو) توثيقاً وتوصيفاً يضمن التطوير والاستدامة لآلة العود الموسيقية التي عمرها آلاف الأعوام.
العود بوصلة الموسيقا وأيقونة البيوتات السورية والشرقية وشغف الموسيقيين وعاشقي الطرب والنغم الأصيل، وحرفة الدمشقيين والحلبيين ومعظم المحافظات السورية.
أشهر العازفين في العالم اقتنوا العود الدمشقي الذي طوّر في صناعته وحرفته السوريون دون المساس بجوهر وأصالة تلك الآلة الموسيقية.
جودة العود السوري تبدأ بخشب الجوز وطواعيته وألوانه ودقّة الوتر والوتد والزخارف التي تعبّر عن الثقافة السورية وموسيقاها المتوارثة جيلاً بعد جيل.
العود عنصر حيّ من تراث السوريين اللامادي تطوّر باللحن والصناعة والعمل مستمرّ على تطويره لصون هذا التراث والحفاظ عليه نظراً لعراقته وقِدَمه فقد اكتشف علماء الآثار رسوماً جدارية للعود تعود للعصر الآكادي نحو ٣٠٠ عام قبل الميلاد في بلاد الرافدين وشمال سورية، وتطوّر شكله مع الزمن وفقاً لاحتياجات المجتمعات.
ارتبط العود بالطقوس الدينية بداية وزادت أوتاره مع تطوّره فعند زرياب كان بأوتار ثلاثة وعند تلميذه اسحاق الموصلي أصبح أربعة إلى أن وصل إلى شكله الحالي بأوتار متنوعة.
العائلات السورية المشهورة بصنعة وحرفة العود توارثت تلك الحرفة وطوّرتها لتأخذ أشكالها المختلفة للعود مع الحفاظ على جودته ومتانته، ومن أشهر الصنّاع سنباط بدروسيان ومحمد صافي وعلي خليفة الجدّ لأن الحفيد علي خليفة امتهن نفس الحرفة، ومن حلب ميشيل خوام وجميل قندلفت الذي قدّم عوداً من الصدف لفريد الأطرش، وفي حمص عادل أديب ومصطفى العوير، ونعيم جرجي دلال.
كنوز سورية لاتنتهي، فالتراكم الحضاري فيها لامثيل له في العالم وإرادة السوريين في صون التراث المادي واللامادي مستمرة في التوثيق والتسجيل حفاظاً على تراثهم وثقافتهم وأبجديتهم وموسيقاهم وآثارهم الحضارية….