الثورة- ترجمة ميساء وسوف:
لا يمكن بناء العلاقات بين روسيا ودول صديقة لها مثل كوبا وفقاً للأنماط العامة. سوف نلاحظ أن اختيار هافانا عدم الرغبة في التدخل في الشؤون الداخلية لموسكو يقترن بفهم مشترك للمصالح الاستراتيجية التي تم الحفاظ عليها، على الرغم من التغييرات الكبيرة في الساحة الدولية.
على أي حال، يكمن سر بقاء الدولة الكوبية في شكلها الحالي في فهم الطبيعة الكارثية للبديل (الاستيلاء والهيمنة الفعلية للولايات المتحدة)، وعلى أن السياسة الخارجية الروسية الجديدة، أولاً وقبل كل شيء، تقوم على مصالح شركائها وليس على الأنانية.
ليس لدى روسيا نقص في عدد الدول التي تسعى إلى إقامة علاقات ودية وتجارية معها على الرغم من الأزمة العسكرية والسياسية الحالية في العلاقات بين موسكو والغرب. هذا أحد أكثر البراهين إقناعاً على أنه في إطار إعادة هيكلة النظام الدولي، والذي يعتبر النزاع المسلح في أوروبا الشرقية جزءاً منه فقط، فإن روسيا عضو في تحالف غير رسمي واسع للقوى يتطلع إلى المستقبل، وعدم السعي للحفاظ على النظام القديم.
إن روسيا الحديثة جذابة ليس لأنها تمثل بديلاً قوياً حقاً للغرب، فالصين أقوى بكثير من الناحية الاقتصادية، وروسيا لا تحاول حمل الآخرين على خدمة مصالحها في الأمور ذات الطبيعة المادية أو عندما يتعلق الأمر بالقيم أو الأفكار الداخلية حول العدالة، كما أنه ليس صعباً أن تكون صديقاً لروسيا الآن.
ومع ذلك، من بين الدول الصديقة لروسيا تلك التي تتمتع العلاقات الأخوية معها بتاريخ أطول، وغالباً ما تغذيها ذكريات مشتركة، هي في المقام الأول كوبا، التي زار رئيسها ميغيل دياز كانيل موسكو منذ فترة.
من وجهة نظر تاريخية، فإن روسيا وكوبا هما رفاق في السلاح تربطهما تجربة عسكرية وسياسية يعتبرها الكثيرون ذروة الحرب الباردة وهي أزمة الصواريخ الكوبية.
وفي هذا الصدد، فقط العلاقات بين روسيا وكوريا الديمقراطية أو فيتنام قابلة للمقارنة من حيث قوة التجربة التاريخية المشتركة، لكن الحالة الكوبية استثنائية حقاً وتشكل تحدياً وجودياً لعدوهم المشترك، الولايات المتحدة الأميركية.
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وإنهاء الحرب الباردة من جانب واحد، تُركت العديد من الدول الصغيرة القريبة منه لتدافع عن نفسها، وقد بحثت كل منها ووجدت طرقاً مستقلة للبقاء على قيد الحياة في عالم كانت فيه الولايات المتحدة هي فقط من أنشأت القواعد وانتهكتها.
كان رفاق السلاح في المعسكر الاشتراكي، جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وكوبا وفيتنام، قادرين بشكل عام على الحفاظ على أنظمتهم السياسية سليمة تماماً تقريباً، وقد اختارت كوبا، مثل فيتنام، مسار إعادة الهيكلة الاقتصادية الداخلية التدريجية وتحرير الاقتصاد من حيث الحقوق والحريات المدنية.
إن الموقف الجيوسياسي لكوبا أكثر تعقيداً بكثير، ولا يترك قربها من البر الرئيس للولايات المتحدة وبُعدها عن القوى العظمى الأخرى أي مجال لأي مصالحة جادة مع الأمريكيين، حيث لا يخلق بعد كوبا عن روسيا أو الصين حتى احتمالًا افتراضياً بأن واشنطن ستساعد في تنميتها من أجل خلق موطئ قدم ضد موسكو أو بكين.
وأيضاً ليس من قبيل المصادفة أن تكون القضية الكوبية من الموضوعات التي تفرق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي تحاول بشكل ما تطوير التعاون الاقتصادي مع هافانا، في حين أن واشنطن لا تحب أي سيناريو قد يؤدي إلى تحسين الوضع الداخلي.
كما إنه لأمر غير مريح أن تبدو حتى المناطق الشمالية من المكسيك المتاخمة لأمريكا وكأنها جنة مقارنة بكوبا، لكن هذا هو بالضبط ما أصبح أساس بقاء السيادة الكوبية وقدرتها على حل المشاكل الأساسية.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ أن نتوقع من هذه الدول الرغبة في إعادة خلق جو الحرب الباردة بالكامل، فالمصلحة المتبادلة موضوعية، وفي حالة كوبا تدعمها المهمة الرئيسة لكل دولة أي البقاء في بيئة معادية للغاية.
في الواقع، لدى روسيا وكوبا العديد من القيم المشتركة عندما يتعلق الأمر بصورتهما للعالم ومكانتهما في ميزان القوى الحالي، وتستند هذه القيم المشتركة، بشكل أكبر على أساس تاريخي متين لا يمكن تجاهله.
وقد تعززت الشراكة الكوبية الروسية بشكل أكبر من خلال موقف هافانا خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القضايا المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، كما أن العداء لأمريكا في السياسة الخارجية الكوبية هو نتاج تقييمها الخاص لموقعها الجغرافي السياسي وما يرتبط به من سمات المشاركة في الشؤون العالمية.
المصدر: موقع رياك الروسي

التالي