الثورة – فؤاد الوادي:
الجولان سوري وسيبقى سورياً.. هي متلازمة التاريخ والأرض، والأهم أنها متلازمة اليقين والإرادة، يقيننا الذي لا يتغير ولا يتبدل مهما اشتدت الظروف والمحن، وإرادتنا الصلبة لتحرير أرضنا المحتلة واستعادتها إلى أحضان الوطن في التوقيت واللحظة التي نراها مناسبة، بعد أن أثبتنا للعالم أجمع قدرتنا على الصمود والمواجهة والتحدي ودحر الأعداء.
هي وريقة جديدة تسقط في خريف الضم المشؤوم للجولان العربي السوري، لتشرق معها أزاهير كثيرة في ربيع التحرير والإصرار على الرفض المطلق لقرار الاحتلال الإسرائيلي القاضي بضم الجولان العربي السوري، وفرض الهوية الإسرائيلية على سكانه الذين قابلوا هذا الإجراء الباطل من كيان مصطنع ومحتل لأراض عربية بالرفض والمقاومة والمظاهرات العارمة التي عمت جميع قرى وبلدات الجولان.
تلك المظاهرات التي بلغت ذروتها في السابع عشر من كانون الأول 1982 عندما أصدر ما يسمى بـ (وزير داخلية) الكيان الصهيوني قراراً يقضي بتوزيع هوية الجنسيّة ( الإسرائيليّة ) على أهالي الجولان الأبطال الذين هبوا رفضاً ومواجهةً لعسف الاحتلال وقراراته الجائرة، وأعلنوا على إثر ذلك إضراباً مفتوحاً في 13 شباط من العام نفسه، استمرّ حتى 20 تموز لينتهي بمؤتمر عقدوه في بلدة (مجدل شمس ) حضره ما يزيد على 1300 شخص من قرى مسعدة ومجدل شمس وعين قنية وبقعاتا أصدروا فيه بياناً إلى الرأي العام العالمي سمي بـ( الوثيقة الوطنيّة) أكّدوا فيها تمسّكهم بعروبتهم وتاريخهم، ورفضهم الاندماج مع الكيان الإسرائيلي، وأكّدوا أنّ الجولان جزء لا يتجزّأ من الوطن الأم سورية العربية، وأنّهم لن يتخلّوا عن الجنسيّة العربية السورية مهما كانت الضغوطات، ومهما بلغت التضحيات ومهما طال الزمن، وأن الجنسية العربية السورية صفة ملازمة لهم ولا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وأن أرضهم هي ملكية مقدسة لأبناء مجتمعنا السوريين، وكل مواطن تسول له نفسه أن يبيع أو يتنازل أو يتخلى عن شبر منها للمحتلين الإسرائيليين يقترف جريمة كبرى بحق مجتمعنا وخيانة وطنية لا تغتفر.
وحدثت مواجهات وصدامات عنيفة ما دفع الاحتلال إلى قطع المياه والكهرباء والغذاء عن القرى السورية المحتلة، حيث عاش أهلها حصاراً استمر أربعين يومياً حرموا فيها من التنقل بين القرى أو التجمهر أو التجمع في الساحات العامة ومنع وصول المعونات الغذائية من عرب فلسطين الذين هبوا لنجدة أهلهم في الجولان وحاولوا مراراً تحدي الحصار والوصول إلى القرى الأربع المعزولة تماماً عن العالم الخارجي، ولكن سلطات الاحتلال شددت قبضتها بهدف كسر إرادة المواطنين العزل المؤمنين بصدقية مطالبهم وحتمية انتصارهم وزوال الظلم عنهم، لكن سلطات الاحتلال استعادت بطاقات الهوية التي سلمت لعدد من سكان الجولان، بعد أن عملت على منع جمع شمل الأسر السورية وعودتها إلى الجولان في انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
“إسرائيل” التي فاجأها شجاعة أهلنا في الجولان ورفضهم المطلق لقراراتها لم تترك بدورها طريقة ولا وسيلة إلا اتبعتها لجعل قرار الضم أمراً واقعاً، حيث تمادت بإجراءاتها وممارساتها القمعية والإرهابية بحق أبنائنا في الجولان، بالتزامن مع محاولاتها تغيير معالم المدينة الجغرافية والتاريخية، من خلال عمليات الهدم الممنهجة للقرى العربية بعد طرد أهلها وسكانها منها، وإقامة المستوطنات مكانها، واستبدال أسمائها العربية بأخرى عبرية، كل ذلك تم بالتزامن مع استبدال مناهج التدريس السورية وفصل المعلمين وإقالتهم من سلك التدريس، وإعلان كل مناطق الجولان المحتل مناطق تحت وصاية الحكم العسكري، هذا بالإضافة إلى مطاردة وملاحقة الوطنيين، ومصادرة المياه والأراضي والمرافق الاقتصادية الصغيرة التي يملكها السكان، بحجة أنها أملاك للغائبين الذين تم طردهم بقوة السلاح عن ديارهم، وكذلك منع قيام جمعيات أهلية ونواد محلية، فيما فرض نوادٍ لما يسمى “الهستدروت” في محاولة لتنظيم السكان، ودمجهم في المؤسسات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي حول الجولان بأكمله إلى سجن مغلق، حيث نقلت سلطات الاحتلال أعداداً كبيرة من أبنائه إلى داخل السجون الإسرائيلية وأصدرت أحكاماً بحقهم بتهمة التحريض ضد الأمن، لكن ذلك لم يغير في واقع الأمر شيئاً لجهة ثبات أهالي الجولان وصمودهم ضد إرهاب الاحتلال وممارساته.
الوطن الأم سورية كان له الدور الأبرز والأكبر في مقاومة ومواجهة ورفض القرار الإسرائيلي على كافة الأصعدة والمستويات السياسية والشعبية والعالمية، حيث أثارت الدولة السورية هذا القرار الجائر على كافة المنابر السياسية والإعلامية المحلية منها والعربية والعالمية، وصولاً نحو بلورة رأي عام عالمي رسمي وشعبي رافض بشكل قاطع لهذا القرار، وهو الأمر الذي دفع بإسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة إلى تكثيف التآمر عليها واستهدافها بغية الانتقام منها، ومحاولة إخضاعها وتدميرها وتقسميها، وسلبها مقدراتها
وثرواتها، وصولاً نحو إسكات صوتها المطالب بحقوقها وأراضيها المغتصبة والسليبة وكذلك الحقوق والقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ولعل الحرب الإرهابية التي لا تزال تشن عليها منذ عقد ونيف تجسد حقيقة وصورة هذا الاستهداف الممنهج بشتى سبله وأشكاله.