الثورة – عبد الحميد غانم:
لم يكن خافياً على أحد أن الأطماع الصهيونية في الجولان وغيره من المناطق السورية الهامة كانت في مقدمة مخططات المشروع الصهيوني المعدة للمنطقة، والتي عملت قوات الاحتلال على تنفيذها من خلال العدوان واحتلال الأراضي وسياسات التوسع والاستيطان في الأماكن المهمة استراتيجياً، فكان احتلال الجولان بعد عشرين عاماً على احتلال فلسطين واغتصابها، وذلك كخطوة لاحقة لترسيخ الاحتلال الصهيوني في المنطقة وسعي الكيان الإسرائيلي لتحقيق أطماعه بقيام “دولته” المزعومة من الفرات إلى النيل.
فبعد احتلال أرض الجولان عام 1967، جاء قرار الضم في عام 1981، كمحاولة لترسيخ الاحتلال ودمج الجولان في كيان الاحتلال وفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في الجولان السوري المحتل.
رئيس وزراء الكيان آنذاك مناحيم بيغن، ومن وجهة نظر أيديولوجية، بما يسميه “إسرائيل الكبرى”، أشار إلى إستراتيجية تنص على أن جميع مناطق فلسطين التاريخية يجب أن تنتمي للكيان الإسرائيلي.
والجولان وفق المخطط الصهيوني من المناطق الأكثر أهمية من غيرها لأسباب أمنية إستراتيجية ولأسباب اقتصادية نظراً لموقع الجولان الاستراتيجي وتمتعه بثروات مائية وباطنية، لذلك بدأت قوى اليمين الإسرائيليّ، التي وصلت للحكم في تلك الفترة، بالدفع لعرقلة إمكانيّة إعادة المزيد من الأراضي العربيّة المحتلّة.
وفي هذا السياق تمّ سنّ ما سمي بـ “قانون ضمّ الجولان”، وفرض الإجراءات الإسرائيليّة على سوريّي الجولان.
فالحكم العسكريّ لجيش الاحتلال، خلال هذه الفترة، مارس ترهيب السكّان المتبقّين عبر القمع وتقييد الحريّات واعتقال مجموعات من الرجال والنساء والشبان المقاومين للاحتلال، وإخضاع التعليم والاقتصاد والحياة السياسية للسيطرة الإسرائيليّة المطلقة، وتبعية قوى العمل والإنتاج في السوق الإسرائيليّة، ومحاولة ترسيخ الهوية الطائفية وإلغاء الارتباط بالهوية الوطنية.
وعلى الرغم من مضي أكثر من أربعة عقود على قرار الضم ومحاولة الكيان فرض احتلاله واستيطانه وشروطه على أهالي الجولان لترهيبهم وطردهم وتشريدهم وإلغاء اتصالهم بوطنهم الأم سورية وفصلهم عن هويتهم الوطنية، لم يستسلم أهالي الجولان وكان إعلان الإضراب المفتوح في 14 شباط 1982؛ الذي دام عدّة أشهر، وأفضى إلى تراجع سلطة الاحتلال عن محاولة فرض الجنسيّة الإسرائيليّة بالقوّة.
فقرار الضم الذي هزّ وجدان مواطني الجولان، أدى إلى انبثاق حركة مقاومة شعبيّة دفاعاً عن الهويّة السورية، هويتهم الأصلية وانتمائهم الوطني الذي لا غنى عنه، ولا تزال مستمرة بأشكال سياسية وثقافية في الجولان وخارجه.
وباستثناء إعلان الرئيس الأمريكيّ الأسبق دونالد ترامب، اعترافه بقرار كيان الاحتلال على الأراضي السورية المحتلة في الجولان، فإنّ المجتمع الدولي ما زال ملتزماً بقرارات الأمم المتّحدة حيال الوضعيّة القانونيّة للجولان السوريّ، فالوضعيّة القانونيّة للجولان، في القانون والعرف الدوليين؛ يعد أرضاً سوريّةً محتلة، لم تتغيّر. فطبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 497، يعد قرار كيان إسرائيل بضم الجولان وفرض قوانينه وسلطاته وإدارته في الجولان السوريّ المحتل ملغيّاً وباطلاً ودون فعّالية قانونيّة على الصعيد الدولي.
إن الاحتلال أياً كان باعثه أو مصدره لا يعدو في القانون الدولي إلا أن يكون باطلاً، مهما طال أمده، لأن الاحتلال اعتداء على الحقوق، وليست له أي صفة شرعية وقانونية، وتصرفات أو إجراءات سلطات الاحتلال التعسفية، هي وفق القانون الدولي لن تغير من طبيعة أو ماهية أو طبوغرافية أو ديموغرافية الجولان المحتل، وهي إجراءات غير مشروعة، وتشكل جريمة دولية يجب المعاقبة عليها، ومساءلة سلطة الاحتلال عنها وفقاً لقواعد المسؤولية الدولية.