الثورة – ترجمة رشا غانم:
التّوقعات للعام المقبل غير مبّشرة أبداً، حيث نرى الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو ينكمش بنسبة 0.1 في المائة في عام 2023، وهو أقل بقليل من المتوقع، ومع ذلك، فإنّ الانخفاض الناجح في الطلب على الطاقة بمساعدة الطقس الدافئ الموسمي، ومستويات تخزين الغاز بسعة تقترب من 100 في المائة، يقلل من مخاطر تقنين الطاقة خلال هذا الشتاء.
بحلول منتصف العام الجديد، يجب أن يتحسن الوضع، إذ يسمح انخفاض التضخم بتحقيق مكاسب في الدخل الحقيقي وانتعاش في القطاع الصناعي، ولكن مع عدم تدفق غاز خطوط الأنابيب الروسية تقريباً إلى أوروبا العام المقبل، ستحتاج القارة إلى استبدال جميع إمدادات الطاقة المفقودة، لذا فإن حالة الوضع في العام 2023 ستحددها الطاقة إلى حد كبير.
إنّ تحسن التوقعات للإنتاج النووي والكهرومائي جنباً إلى جنب مع درجة دائمة من توفير الطاقة واستبدال الوقود بعيداً عن الغاز، يعني أن أوروبا يمكن أن تستغني عن الغاز الروسي دون التعرض لأزمة اقتصادية كبيرة، حيث نتوقع أن ينخفض التضخم في العام 2023، على الرغم من أن الفترة الممتدة من ارتفاع الأسعار هذا العام تشكل خطراً أكبر لارتفاع التضخم، ومع اقتراب النهاية الإجمالية لواردات الغاز الروسي، فإنّ جهود أوروبا لتجديد المخزونات قد تدفع أسعار الغاز إلى الارتفاع في عام 2023.
هذا وتبدو صورة التضخم الأساس أقل اعتدالاً من الرقم الرئيس، ونتوقع أن تكون مرتفعة مرة أخرى في عام 2023، بمتوسط 3.7 في المائة، وسيحدد الاتجاه القوي لعدم التضخم القادم من السلع والثبات في أسعار الخدمات، سلوك التضخم الأساس، فالتضخم في السلع غير المتعلقة بالطاقة مرتفع الآن، بسبب التحول في الطلب، ومشكلات العرض المستمرة، وتمرير تكاليف الطاقة، لكن الانخفاض في أسعار السلع العالمية، وتخفيف التوترات في سلسلة التوريد، وارتفاع مستويات نسبة المخزونات إلى الطلبات يشير إلى أن التحول وشيك، ومع الخدمات التي تمثل ثلثي النواة، وأكثر من 40 في المائة من إجمالي التضخم، سيكون هذا هو المكان الذي ستكون فيه ساحة المعركة الحقيقية للتضخم في عام 2023.
في معظم البلدان، تشهد الأجور الحقيقية أكبر خسائر منذ سنوات، ولا يزال الدخل المتاح والإنفاق الاستهلاكي أقل من مستويات ما قبل الوباء، على الرغم من أن نمو الأجور الأقوى في عام 2023 سيعني تحسن الخلفية للأسر، إلا أن نمو الأجور الحقيقي سيظل قريباً من الصفر، ومع الركود العالمي الآن والذي هو جزء من سيناريو خط الأساس لعام 2023، نتوقع انخفاض الطلب الخارجي على سلع منطقة اليورو في العام المقبل، وسيكون الإنفاق الاستهلاكي مسؤولاً إلى حد كبير عن الأداء النهائي للاقتصاد.
كما يجب أن يتبع أيضاً مساراً مشابهاً للناتج المحلي الإجمالي، و انكماشا خلال الربعين المقبلين وانتعاشا تدريجيا بعد ذلك، حيث يتوقف هذا الانتعاش على عاملين رئيسين: الارتفاع التدريجي في نمو الدخل الحقيقي والتدهور المحدود في سوق العمل، ومع انخفاض الطلب وتشديد الظروف المالية، سينخفض الاستثمار الخاص أيضاً، ومع ذلك، نتوقع أن ينمو إجمالي الاستثمار، مدفوعاً بشكل جزئي بالارتفاع القوي في المشاريع التي يمولها برنامج الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي والذي سيُعرض على الإنترنت العام المقبل، ومن المتوقع أيضاً أن ينخفض الناتج الصناعي بنسبة تراكمية قدرها 3 في المائة بين الربع الرابع من 2022والربع الأول من 2023، مما يزيد بمقدار ثلاثة أضعاف الانخفاض المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي.
هذا وكانت قطاعات الطاقة غير الكثيفة مرنة بشكل ملحوظ حتى الآن، ربما بسبب استبدال الواردات بالمواد الوسيطة كثيفة الاستهلاك للطاقة، إضافة إلى المساعدة في خطط الدعم الحكومية، وعلى الرغم من أن الآفاق على المدى القريب تبدو رهيبة بالنسبة للقطاع الصناعي، إلا أن هناك أسباباً تجعلها أقل تشاؤماً بمجرد مرور ركود الشتاء، حيث يجلس صانعو السلع الرأسمالية على كومة عالية تاريخياً من الأعمال المتراكمة بفضل زيادة الطلب بعد الوباء واختناقات سلسلة التوريد العالمية التي تحد من الإنتاج والتسليم، وهناك أيضاً دلائل على أن الاختناقات تتراجع.
ومن جهتها، قدمت الحكومات الأوروبية دعماً وافراً ضد أزمة الطاقة، وفي حين أننا لا نتوقع العودة إلى سنوات التقشف في أوائل عام 2010، فإن التجربة الأخيرة للمملكة المتحدة تظهر أن هامش الخطأ، الذي ستسمح به الأسواق حول ما تعتبره سياسة مالية مستدامة ضئيل، وسيكون هذا مهماً بشكل خاص للبلدان المثقلة بالديون مثل إيطاليا أو إسبانيا.
نحن نتوقع تحولاً تدريجياً في مناقشات السياسة في عام 2023، من الدعم الفوري للاقتصاد، إلى تصميم السياسة المالية التي تعتبر مستدامة على المدى المتوسط، مثل تصميم القواعد المالية الجديدة للاتحاد الأوروبي، كما نتوقع أن يوقف البنك المركزي الأوروبي دورة المشي لمسافات طويلة في أوائل عام 2023، بعد أن رفع أسعار الفائدة مرتين
بين الحين والآخر، أي 50 نقطة أساس في كانون الأول و25 نقطة أساس في شباط، ولكن هناك خطرا حقيقيا يتمثل في أن البنك المركزي سيمدد دورة التشديد لفترة أطول قليلاً إذا لم تظهر اتجاهات بيانات التضخم الشهرية تغييراً ذا مغزى.
فبعد تنفيذ أسرع دورة تشديد نقدية في تاريخ منطقة اليورو، نتوقع أن يظل البنك المركزي الأوروبي معلقاً لبقية عام 2023، وإذا حدث ذلك، فسيفتح الباب لخفض سعر الفائدة بحلول نهاية عام 2023 أو أوائل عام 2024، ومع ذلك، إذا واجهت منطقة اليورو أزمة طاقة هذا الشتاء، فإنّ ذلك سيؤدي إلى أسعار أعلى بكثير في الطاقة، وسينجم عنه استجابة مالية قوية، فمن المرجح أن تكون تخفيضات أسعار الفائدة غير واردة.
المصدر: تشاينا ديلي