الملحق الثقافي- علم عبد اللطيف:
لكل زمن تقاليده، ومن تقاليد زمننا التوافق على تخصيص العالم يوم في السنة، لظاهرة أو فكرة، وربما مطلب.
يوم للأم..ظاهره تكريمها، وباطنه اعتراف خفي بمظلوميتها تاريخياً، ويوم الشجرة..أو عيدها،هو دعوة لوقف التصحر في العالم..
امتدت وتعممت ظاهرة اليوم، وطالت كثيراً من عناصر الكون، وفي كل منها، ينهض استذكار المخصص المقصود بيومه. ويقتصر عليه..ولا نستطيع الجزم، هل يتم استذكار أي من هذه المحددات في غير يومها، إلا من قبل بعض المتخصصين والمهتمين.
عن يوم اللغة..ويوم المعاجم، لا ندري هل ينسحب هذا الفهم على اللغة والمعجم..بحيث يشير إلى ضرورة لفت النظر إلى الحالة، وتالياً الشعور بفقر عام ينتاب حالتهما..أم هو اهتمام مضاف لنشاط عام في كل الأوقات، يعززه ويضيف مزيداً من الاهتمام إليه، أم إن الأمر لا يعدو كونه نشاطاً إعلامياً درجت مؤسسات الإعلام والإعلان على تسويقه..وهو العالي قيمة.. كما تسويق ظواهر أخرى في عالم اليوم غاية في الابتذال، تتصل بالدعاية لمواد الاستهلاك اليومي، من طعام أو شراب أو لباس..
هو تقليد مشكور في كل الأحوال، وإن كان بالفعل قد تم تخصيص يوم للغة في العالم..بالطريقة نفسها التي تم تخصيص أيام لغيرها..أقل أو أرفع قيمة وأهمية.
وحقيقة إن المسألة تبدو قيمية الطابع، إذ لا يتناول الحالة عموم الناس بفهم واحد، ويبقى على المهتمين..أو كما يقول الإعلام المعولم..هواة النوع أن يقوموا ليس بما يمليه عليهم واجبهم فقط في يوم مخصص لما يهتمون به دوماً..بل لتعزيز دورهم المستمر في هذا المجال.
عن اللغة، يعرف الجميع أن الاهتمام باللغة العربية، بدأ مع محاولات تهميشها، في ظرف تاريخي يتصل بصراعات الشعوب والأفكار والبنى العقلية والثقافية، فنشط دعاة التمسك باللغة وحمايتها في وضع المعاجم التي تجمع وتوثق مفرداتها..وحقيقة أن المعجم لا يقتصر دوره على جمع كلمات اللغة فقط، بل يمتد إلى اشتقاقات المفردة وإحالاتها، ليتم تأصيلها في اللغة معروفة المصدر والولادة، وهو دور جليل قام بها علماء إجلاء في زمن تطلّب مثل هذا الدور والفعل، وأصبحت المعاجم في كل العالم. وفي بلداننا العربية لا تقتصر على دور زمني أو مكاني فقط.. بل تكورت لتصبح علماً له تقنياته وأصوله، وامتدت مهامها لتوثيق أصول المفردة انتروبولوجياً وعلاقتها بالإنسان في تطوره التاريخي.
لا ندري بالفعل..هل تقوم الآن بوادر صراع مابين دور المعاجم ولأي لغة كانت، وبين مؤسسات التكنولوجيا والإعلان في العالم، هذه التي تسوّق بلا هوادة لغاتها بطريقتها، باختزالات تمزج بين الحروف والأرقام، وبين الكتابة والتأشير بها إدغاماً أو تفكيكاً أو بعثرة..وهو فعل نشهده في عالم الصحافة الإلكترونية اليوم. لغايات تتصل بتورية أو هرب من رقابة، أو اختزالاً تطلبته طبيعة الكتابة السريعة، أو حتى النطق بالمصطلح كاملاً، فيتم اختصاره بأحرف المصطلح الأولى..أو يفارق الاسم كلية ويحيلها إلى رسم أو شكل.
لا يستغني شعب من شعوب العالم عن لغة..وإن كانت بعض اللغات تمد مساحتها إلى مواقع غيرها..وتطعّم اللغات الأخرى بمفرداتها..وهو أمر مفهوم في عالم الإنتاج والاستيراد من يستورد الآلة، يستورد معها اسمها وما يتصل بها، ويبقى على حاملي هم اللغة، ليس حمايتها من التعدي فقط، خوفاً من الاندثار بل لتأصيلها لغة أدب وفكر وثقافة عبر التاريخ، تأصيلاً يحمل همّ متكلمي اللغة ذاتهم.. في تراثهم ونتاجهم وتاريخهم.
العدد 1125 – 20-12-2022