علا مفيد محمد:
“يولد الإبداع من رحم الألم” عبارة لطالما دار حولها نقاش عميق قسّم أصحاب الرأي إلى فرق، فمنهم من يرى أن الموهبة تتطلب جواً ومناخاً مناسباً لتنميتها وإثرائها بل دعمها كي تظهر للنور وتصل للمتلقي، وأن وقوع المبدع في المعاناة سيشغله بمشاكله الخاصة، فكثيرٌ من المواهب اندثرت وماتت في مهدها لعدم توافر المناخ المناسب لترعرعها ونضجها.
ومنهم من لديه وجهة نظر مغايرة تماماً، حيث تؤكد الكاتبة السورية “دارين سمو” دكتوراه في المناهج وطرائق التدريس بجامعة دمشق بأن الأدب يولد من رحم المعاناة لأن المعاناة تشكل حالة من القلق الداخلي لدى الكاتب فينفّس بالأدب عن نفسه وينتقل من الواقع المؤلم إلى عالم الحرية متجاوزاً المعاناة التي يعيشها.
حينما نتحدث عن الإبداع فإننا نقصد تلك الثورة الإيجابية على المألوف فكم من الكتاب والأدباء خطوا من معاناتهم حروفاً دامية فجميع السير الذاتية التي حكت عن المرض والألم والتي خُلّدت في الذاكرة كانت حافزاً لمنح الذات فرصة المقاومة والانتصار على المعاناة وأهمها كتاب (الرحلة 811 رحلتي مع السرطان) للأم الشابة والصحفية المصرية “هويدا حافظ” التي وثّقت رحلتها مع السرطان وتغلّبت عليه بقوة إرادتها وكتبت تجربتها لتفيد الآخرين.
وأضافت أن الإبداع المنبثق من رحم الألم لا يقتصر على الكتابة فقط بل يشمل جميع المجالات، وهنا نستحضر صاحب أعظم سمفونية موسيقية رغم معاناته من الصمم “بيتهوفن” الذي عاش حياة بائسة وحوّل كل هذا الألم إلى نور أضاء به عالم النوتات للأبد.
عدا ذلك هناك الكثير من الناس الذين يرون أن الضرر الذي يصيب المخ له تأثير مدمّر، ولكن في حالة الرسام الهولندي “فان كوخ” كان الضرر العقلي مصدر إلهامه وإبداعاته فلوحاته وصلت إلى مكانة متميزة في عالم الفن التشكيلي.
ولا تنتهي الأمثلة إلى يومنا هذا، فلا ننسى جرحى الوطن في أثناء الحرب العدوانية على سورية، منهم من فقد أطرافه أو أصيب بعجز ولكنهم تحدوا عجزهم ورفضوا الاستسلام واستمروا في العمل بما بقي لديهم فالإبداع مرتبط بالإرادة والعزم.
سنواتٌ كثيرة من حياتنا تمضي ونحن نرقص من وطأة الألم فكم جميلٌ أن نجعل من هذا الألم محفزاً للإبداع أياً كان مجاله.
نعم… إنها انتفاضة الذات ضد مآسيه.
