مرشد ملوك:
في مناخ كانت تسيطر عليه «المؤسسة العامة السورية للتأمين» كان مخاض ولادة سوق التأمين الخاص في سورية بين عامي 2004 و 2006 ، وبطبيعة الحال قامت «هيئة الاشراف على التأمين» وبدأت شركات التأمين الخاصة بالولادة منذ منتصف العام 2006 الواحدة تلو الأخرى حتى وصل عددها اليوم إلى اثنتي عشرة شركة تأمين، واشتغل الدكتور عبد اللطيف عبود أول مدير عام هيئة تأمين في سورية على بنية قانونية وإدارية جذبت كبار صناع التأمين على المستوى العربي والعالمي.
لكن .. ومنذ الولادة الأولى لم تهدأ عواصف سوق التأمين في سورية.. ولا يمكن فصل ذلك عن البنية والتركيبة الاقتصادية السورية، التي يأخذ فيها القطاع العام، حالات من السبق الفني والإيديولوجي.
ما بين المؤسسة والهيئة
فالمؤسسة العامة السورية للتأمين كانت بالأساس – ولم تزل – مؤسسة عامة مملوكة للدولة وتتبع إدارياً لوزارة المالية، وهيئة التأمين هي مكون حكومي تتبع أيضاً إلى وزارة المالية، ولب المشكلة بدأت بأن مؤسسة التأمين العامة لم تقتنع بوجود هيئة إشراف حكومية تنضوي المؤسسة العامة تحت إشرافها على المستوى الفني أسوة ببقية شركات التأمين، أضف إلى أن وجود الهيئة لم يرح المؤسسة كمنافس على احتساء القهوة على طاولة وزارة المالية بدلاً منها.
ضرورة التعديل
بين حانا ومانا ومسيرة من (طق البراغي) والعمل الشبيه بالمافيا شقت سوق التأمين السورية طريقها في الصخر وصولاً إلى اليوم الذي كان لابد من ضرورة أن يصدر السيد الرئيس بشار الأسد القانون رقم /48/ لعام 2022 الخاص بتعديل المادة /40/ من مرسوم تنظيم سوق التأمين والمتعلقة بعمل اتحاد شركات التأمين.
الذي ينص على تعديل المادة /40/ من المرسوم التشريعي رقم /43/ لعام 2005 والفقرة الأهم في التعديل بأنه يحق للشركة التي تستحوذ على أكثر من 40% من الأقساط وسطياً لآخر أربع سنوات، أن تسمي ممثلَين لها في مجلس إدارة الاتحاد، وينزل من عدد الأعضاء الخاضعين للانتخاب.
الهدف والمآل
وللعلم جاء صدور هذا التعديل بشكل إسعافي لإنقاذ حالة من الفوضى والخلل، وإلا كان المشرع قد انتظر صدور تعديل واسع وهادئ لسوق التأمين تعمل على إصداره هيئة التأمين من سنوات ولم ير النور حتى الآن.
لكن في تحليل التفاصيل والمآل والهدف من القانون الجديد يمكن التوقف عند نقطة جوهرية واحدة لا ثاني ولا ثالث لها وهي إعطاء شركة التأمين التي تستحوذ على 40 % من أعمال السوق عضوين في مجلس إدارة الاتحاد السوري لشركات التأمين وسواء كانت الشركة عامة أو خاصة.
سوق التأمين بالأرقام
وهنا بالعودة إلى أرقام سوق التأمين وفق التقارير السنوية التي تعدها هيئة التأمين نجد ما يلي:
– في أرقام النصف الأول من العام 2022 – لأن النصف الثاني لم تصدر أرقامه بعد – نجد أن المؤسسة العامة السورية للتأمين تستحوذ على 54 % من اجمالي أعمال التأمين وبقيمة أقساط وصلت إلى 36.4 مليار ليرة في نفس الفترة ، مقابل ذلك حصلت 12 شركة تأمين خاصة سورية على 46% من أعمال سوق التأمين وبقيمة أعمال 31.2 مليار ليرة سورية. ولم تتجاوز حصة ثاني أكبر شركة وهي الشركة المتحدة للتأمين الـ 11% من أعمال السوق بقيمة اعمال 7.5 مليارات ليرة سورية.
– في أرقام العام 2021 نجد ان حصة «العامة السورية» وصلت إلى 53 % من أعمال السوق بأقساط 47 مليار ليرة سورية . وأيضا لم تصل حصة شركات التأمين الخاصة مجتمعة نسبة 47 % بقيمة أعمال 43 مليار ليرة سورية . و حصة ثاني أكبر شركة كان من نصيب الشركة المتحدة للتامين بنسبة12 % بقيمة أعمال 11.3 مليار ليرة .
– في العام 2020 ارتفعت حصة العامة السورية إلى 60 % من أعمال سوق التأمين وبقيمة أعمال 30،9 مليار ليرة ، وجاء بعدها الشركة العربية للتأمين وبحصة 6 % وبقيمة أقساط لم تتجاوز 3 مليارات ليرة سورية ، بينما ارتفعت خلال هذا العام حصة الشركات الخاصة إلى حدود 40 % بقيمة أعمال 11.3 مليار ليرة.
– بينما وصلت حصة « العامة السورية» إلى 70 % في العام 2019 وبقيمة أعمال 25.8 مليار ليرة ، ولم تتعد حصص 12 شركة خاصة 30 % من أعمال السوق وبقيمة أعمال 11 مليار ليرة ، ولم تصل ثاني أكبر حصة 5 % للشركة الوطنية للتأمين وبأقساط 1.8 مليار ليرة.
– في العام 2018 وصلت حصة العامة السورية إلى 70% وأقساطها 22.8 مليار ليرة، وحصة كافة الشركات 30% بقيمة أعمال 9.9 مليارات ليرة وجاء في الترتيب الثاني بعد السورية الوطنية للتأمين بحصة 5% من أعمال السوق وبقيمة أعمال 1. 7 مليارات ليرة.
قراءة تحليلية
المؤشر الأول وفي القراءة الأولية للأرقام السابقة نجد أن استحواذ المؤسسة العامة السورية للتأمين على حصص تبدأ من 53 % إلى 70% خلال الأربع سنوات الماضية، يعني أن القانون تم تفصيله على مقاس المؤسسة العامة السورية للتأمين، وهذا أولياً لا يعطي أي مؤشر على أننا نعمل بعقلية المؤسسة، ولا حتى بعقل الدولة..
المؤشر الثاني.. (أوف) من هذا اتحاد التأمين حتى يتم تعديل فقرة في قانون تأمين مطبق من عشرات السنوات.
المؤشر الثالث.. «وين الدنيا ووين أهلها» إذا كان 12 شركة خاصة مجتمعة لم تصل لحدود 30 أو حتى 40 % من أعمال السوق فعلى المدى المنظور متى ستصل شركة تأمين خاصة إلى استحواذ 40 % من أعمال سوق التأمين.. وفي أحسن الأحوال وصلت المتحدة للتأمين إلى حصة 12 %.
المؤشر الرابع.. كيف يمكن أن تصل السورية العامة للتأمين إلى استحواذ 70 % من الأعمال بعد قرابة 15 عاماً من دخول الشركات الخاصة للسوق ؟؟
الأرقام تؤكد
أيها الإخوة قد أكون أسهبت في الشرح وذكر الأرقام، لكن من وجهة نظري لا يمكن الوصول إلى استنتاج قريب من العلم إلا بلغة الرقم، وفي النقاش والإجابة على التساؤلات والمؤشرات السابقة التي تؤكد أن القانون 48 الخاص بالاتحاد السوري لشركات التـأمين جاء ليصلح اعوجاج وعمل بعقلية (المافيا) عاش عليها سوق التأمين، وربما قد يكون تم تأسيسه على هذا الأساس من خمسة عشر عاماً إلى اليوم. لكن حصافة ودبلوماسية وتحمل بعض الإدارات السابقة من خلال مسك العصا من المنتصف ساهم في استقرار نسبي لهذه السوق.
الحق لمن يعمل
القانون جاء ليعطي الحق لمن يعمل ويقدم الإضافة في السوق بعيداً عن العقلية (الاستحواذية) من خلال إعطاء عضوين في مجلس إدارة الاتحاد للشركة التي تستحوذ على 40 % من حجم الأعمال . وهنا من الموضوعية بمكان الحديث عن شركات تأمين خاصة تعمل على ما يسمى الربح الفني فقط دون الاقتراب من التأمين الالزامي مثلاً أو أي نوع تأميني متاح بدون تعب كالشركة السورية للتأمين وغيرها من الشركات، مقابل وجود شركات تعمل كل شيء إلا التأمين، لذلك من الضرورة إعادة النظر بالاحتكار المطلق (للعامة السورية للتأمين) للتأمين العام وفق دراسة متأنية، وبالتالي فإن الميزة في القانون تعتبر تحدياً للمؤسسة لأن تعمل على الربح الفني وتحقيق العدالة بين كافة الشركات.
غير مقبول
لكن أن يبقى الحال كما عليه في السابق وكما جرى في مجلس الاتحاد السوري لشركات التأمين، مؤخراً بإخراج الشركة التي تستحوذ على حدود 70% من أعمال السوق فهذا غير مقبول لا مهنياً ولا قانونياً.. حتى أن المادة /140/ من قانون الشركات رقم 29 لعام 2011 أجازت تعيين عضو في مجلس الإدارة.. «يجوز أن ينص النظام الأساسي على منح المساهم أو المساهمين الذين يمتلكون ما لا يقل عن 10 بالمئة من أسهم الشركة الحق بتعيين عضو أو أكثر في مجلس الإدارة بنسبة ما يملكونه من الأسهم على أن ينزل عددهم من مجموع أعضاء مجلس الإدارة وأن لا يتدخل أو يتدخلوا في انتخاب الأعضاء الباقين ويتم هدر أي كسور عند احتساب عدد أعضاء مجلس الإدارة الذي يحق للمساهم طلب تعيينهم وفقاً لما سبق بيانه».